الساحة السياسية الآن في مصر ليست سوى بركة مياة ضحلة مليئة بالطحالب، يأتي الشخص الأول ليقضي بها حاجته، ثم يأتي الثاني ليتوضأ منها، ثم يليه الثالث ليشرب، ويليه الرابع ليغسل ملابسه أملاً في الحصول على ملابس ناصعة البياض دون استخدام مواد اضافية، الكل غير راضي، مبرراً عدم رضاه بسبب سوء استخدام الآخرين للبركة الضحلة!!!! ما يحدث داخل حزب النور هذه الأيام، يذكرني بما حدث داخل حركة 6 إبريل منذ شهور عدة، وقتها تهامز المتهامزين، ساخرين من حركة لا تستطيع تسيير أمورها، متهكمين على حركة أصبحت جبهتين، كل واحدة منهما تؤكد أنها الأحق والأقدر، والأخرى فلول، وباقي الشعب أم الخلول، الآن في حزب النور جبهتين، كل واحدة منهما تؤكد أنها الأحق والأجدر، والأخرى أمن دولة، وباقي الشعب في النار.
سبب كل ماحدث، أو الشرارة التي أشعلت النار الخامدة تحت الرماد هو ما أثير عن زيارة ثلاثي أضواء الحزب لشفيق ليلة الإعلان عن نتيجة الانتخابات الرئاسية، زيارة تذكرني بالسجائر الصيني... مشبوهة، زيارة تحتمل عدة معاني، أولها فوز شفيق وتزوير النتيجة لصالح مرسي، ثانيها تأييد حزب النور لشفيق سراً، ثالثها عدم ثقة حزب النور في قوته السياسية وتواجده على الأرض، رابعها توتر العلاقات الاخوانية السلفية.
أما السبب الأول، فعندما يثبت تزاوج ذكر وحيد القرن مع أنثى القرش الأبيض منجبين زرافة تتسلق الأشجار، ساعتها سأعترف بفوز شفيق في انتخابات رئاسية شابتها بعض التجاوزات، لكن صاحبتها الكثير من الايجابيات، وحقيقة لا أستطيع تخيل شخص كشفيق نجح في الانتخابات، وهو الذي استخدم مؤخراً تعبير "مفيش حاجة في المتسابة"، مؤكداً دراسته اللغة العربية في ورشة خراطة.
أما السبب الثاني، فحزب النور أكد مراراً وتكراراً تأييده لأبو الفتوح، الأمر الذي أشبه بسقوط قنبلة على مدينة هيروشيما الاخوانية، حاول وقتها الاخوان استدراج شباب الدعوة السلفية لدعم مرسي، باعتبار أن شباب السلف ليسوا كشباب الاخوان، ليسوا متحدين على قلب مرشد واحد كما الاخوان، لذا من الصعب الجزم بأن السلف كذبوا باعتبار الانتخابات خدعة كالحرب، مما يفسر انخفاض أصوات أبو الفتوح.
أما السبب الثالث، وهو الأقرب لمرارة ستنفجر قريباً، حزب النور قرر مخالفة مبادئه، باحثاُ عن نصيب وهمي في قطع الجاتوه التي سيوزعها شفيق على أنصاره بعدما تسرب خبر كاذب بفوزه وذهاب قوات الحرس الجمهوري لتأمينه، الغريب هنا، كيف تشكك السلف في حجم قوتهم على أرض الواقع، فالشارع والمنازل والمساجد كانت لهم، أو مقسمة بينهم وبين الأخوان، وكلها تصب في صالح مرسي.
أما السبب الرابع، وهو سبب أحسه الكثيرون، فرغم خروج الاخوان والسلف من عباءة التيار الاسلامي السياسي، إلا أنهما ليسا على وفاق، بينهما مصانع الحداد، بينهما شك وريبة، بينهما خبث ولئم، بينهما شد وجذب، بينهما بحث عن السلطة، بينهما رغبة في تفوق كل طرف على الأخر فقط ليكون هو المتحدث باسم التيار الاسلامي مطبقاً فكره الاسلامي الخاص، ناسين شعب كره حديث الساسة عن الدين دون العمل به.
في النهاية تزداد البركة اتساخاً، مع اقبال السياسيين عليها واحداً تلو الآخر، آملين الحصول على قطعة اللؤلؤ تلك التي تلمع في القاع، تراها الأعين لكن لا أحد يستطيع الوصول إليها، ربما حاجز النوايا هو الذي يمنع الجميع، ربما الرائحة العفنة التي أصيب بها المكان، ربما هي ليست إلا وهماً.