تغير لغة الحوار لا يعني مطلقاً تغير طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية، بل هو مجرد إعادة تعريف لطبيعة تلك العلاقات في ظل متغيرات إقليمية تلعب فيها الهوية دوراً أساسياً و قد تسارعت وتيرة الأحداث و الشد و الجذب منذ ظهور الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه و سلم فجأة و دون مقدمات يوم ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر! فكانت المظاهرات أمام السفارة و تراخي السلطات االمصرية عن التصدي لها رغم المشاحنات مع قوات الأمن من قبل المتظاهرين إلى أن صرح أوباما أن مصر "ليست حليفاً و ليست عدواً"، فكان هذا كفيلاً بقمع المظاهرة في غضون ساعات قليلة، و قد يتوارد إلى الأذهان أحداث السفارة الإسرائيلية عندما صعد بعض الأشخاص إلى طابق السفارة و أخذوا يستولون على الملفات الخاصة بها و يحرقون بعضها تحت مرأى و مسمع الشرطة العسكرية التي لم تحرك ساكناً لمدة ثلاث ساعات! وقتها بدا لمن يقرأ الأحداث أن المجلس العسكري يحلل وجوده للولايات المتحدة و حليفتها إسرائيل و كأن الرسالة هي "أنظروا للثوار، فهم لا يقبلون وجودكم بل لا يعترفون به.
و نحن وحدنا قادرون على الحفاظ على تلك الإتفاقية، فأتركونا نؤدي دورنا و لا تتدخلوا". أما هذه المرة فقد تشابهت الطرق و إن كانت رسالة النظام الحالي قد بدت أكثر صلة بالهوية الإسلامية، أو بمعنى آخر تأكيداً على قوة الإسلام السياسي بمختلف أطيافه، و إن كان الإخوان هم أكثر إعتدالاً فهناك بلا شك من هم أكثر منهم راديكالية و أكثر إستعداداً لخرق تلك المواثيق الحاكمة للعلاقات الثنائية بين البلدين.
ثم هناك العمليات الجهادية في سيناء التي أدت إلى استشهاد 16 جندياً مصرياً من قبل، و أودت بحياة جندي إسرائيلي مؤخراً. و كان أحد مستشاري الرئيس قد طالب بإدخال تعديلات على إتفاقية كامب ديفيد بحيث تسمح بإعادة إنتشار محدود للجيش المصري من أجل حماية سيناء من المجموعات الجهادية، فكان رد وزير خارجية إسرائيل ليبرمان حاسماً بأنه "لا فرصة لتغيير البنود العسكرية لإتفاقية كامب ديفيد و أن على المصريين عدم إيهام أنفسهم أو غيرهم بإمكانية ذلك". و سرعان ما قام ياسر علي المتحدث باسم الرئاسة بتلطيف الأجواء و تأكيده على أنه "ليس هناك حاجة لتعديل الإتفاقية، إذ أن مصر قادرة على التحكم في سيناء و إعادة الأمن إلى أرضها".
ثم كانت خطابات الرئيسين المصري و الأمريكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليؤكدا أن هناك توافقاً على المديين القصير و المتوسط، فقد كانا أكثر وضوحاً من غيرهما على ضرورة رحيل نظام بشار، و قد أشاد أوباما بالمصريين الذين قاموا بانتخاب قادة جدداً أكثر مصداقية، و تنافسية و عدالة و إن كان شدد بعد ذلك على أن "المستقبل في مصر ليس ملكاً لمن يهاجم الأقباط بل لأولئك الذين رددوا هتافات الوحدة في ميدان التحرير" في إشارة واضحة أن كل الخيارات مفتوحة، و أنه من الممكن مستقبلاً أن تتعامل الإدارة الأمريكية مع قوى أكثر مدنية و قبولاً للآخر إن توحدت تلك.
هناك بالطبع بعض النقاط الخلافية و لكنها ليست جذرية، مثل مطالبة مرسي أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، فقد سبق لمصر أن طالبت بذلك مراراً، و قامت الإدارة المصرية بالفعل بالتوقيع على معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية و لكن إسرائيل لم و لن توقع من السابق لأوانه إعادة رسم ملامح و أولويات السياسة الخارجية المصرية في ظل إنفراد فصيل سياسي واحد بكل السلطات و عدم تواجد فصل و مراقبة بين تلك السلطات.
فكيف نطالب بتعديل البنود العسكرية لإتفاقية كامب ديفيد إن لم يتم تحديد دور القوات المسلحة بالدستور الذي لم يتم صياغته بعد؟ و كيف نبني علاقات ثنائية بين بلدين على أساس مصالح عارضة و ليس توافق أو إختلافات إستراتيجية بعيدة المدى؟