ليس فى رصيده الفنى ما يضعه فى المركز الأول على مستوى الكم، كما أنك لن تلمح أيضًا تنوعًا فى طبيعة الأدوار التى أُسنِدَت إليه، لا هو تمرد ولا المخرجون حاولوا العثور على نغمة إبداعية مغايرة.. فى بداية الانطلاق منتصف الخمسينيات تم تسكينه فى دور الشاب المستهتر أو الثرى أو صديق البطل الشهوانى المنفلت الذى يحاول إفساد البطل. لم يكن رمزى يؤدى فى الحقيقة دور صديق البطل ولكن السينما اخترعت له دورا موازيا للبطل ليس هو الخصم وليس التابع وليس الكوميديان، ولكنه المساوى له.
أهم ما حققه أحمد رمزى لم يكن على الشاشة ولكن فى الشارع، عندما أصبح النموذج الذى يؤثر فى الناس ويقلده الشباب، القميص المفتوح الأزرار وشعر صدره الغزير والسلسلة التى تتدلى من عنقه، حتى إن المذيعة ليلى رستم لها تسجيل معه لا ينساه المشاهدون عندما سألته عن تلك السلسلة ذات الفصوص الزرقاء فأجابها بأنها تدرأ الحسد، فقالت بنوع من السخرية «ياختى عليه!».
وعلى مدى نصف قرن لم تغادر هذه الكلمات ذاكرة الناس خصوصا أن أرشيف «ماسبيرو» احتفظ بها ويعيدها كثيرًا على قنواته.
المؤكد أننا لو استرجعنا الأفلام التى قدمها فلن ننسى البداية «أيامنا الحلوة» مع عبد الحليم وفاتن حمامة وعمر الشريف.. قدم رمزى على الشاشة تلك الحالة من الطبيعية فى الأداء، المخرج حلمى حليم وجد فى ملامحه الرياضية الشخصية الدرامية التى يبحث عنها فمنحه الدور.. إنه لا يغنِّى مثل حليم ولن تحبه فاتن مثل عمر، ورغم ذلك فهو حاضر ومؤثر.
أتذكر أن مهرجان القاهرة قبل بضع سنوات قرر تكريم كل من أحمد رمزى وحسن يوسف، واعترض الوزير الأسبق فاروق حسنى على حسن يوسف بسبب لحيته، وتبقى أحمد رمزى، ويومها لم يأتِ، فما كان من عمر الشريف سوى أنه بخفة ظل تقمص شخصية صديقه رمزى وبدأ فى تقليده وهو يمشى على المسرح بصعوبة.
لماذا لم يأتِ للتكريم؟ كان رمزى يرفض التكريم ويسأل ساخرًا: مَن يكرِّم مَن؟ تركيبته الشخصية من المؤكد تدفعه إلى أن يهرب فى اللحظات الأخيرة من تسلم الجائزة! رمزى كان نموذج الشباب فى الخمسينيات والستينيات، وقاوم حتى السبعينيات، ولكن بعد ذلك تغيرت السينما ودفعت بشباب جدد ولم يجد نفسه بينهم.. بالتأكيد الجيل كله تأثر، من سبقوه بسنوات قليلة مثل كمال الشناوى وأحمد مظهر وفريد شوقى الكل شعر أن إيقاع الزمن اختلف مع بزوغ نجومية محمود يس ونور الشريف وحسين فهمى، وهكذا مثلًا وجدنا فريد شوقى فى منتصف السبعينيات ينتج لنفسه «ومضى قطار العمر» ليحدد مسار سنواته القادمة، بينما رمزى أقصى ما فعله أنه ارتدى باروكة شعر لتخفى صلعته، ولكن الزمن ترك بصمته على ملامح وجهه فلم يعد الأمر متعلقًا فقط بالرأس، وابتعد، ولهذا مثلًا لم نشاهده فى الألفية الثالثة إلا مع فاتن حمامة فى مسلسل «وجه القمر»، وبعدها مع عمر الشريف فى مسلسل «حنين»، وكان للمخرجة إيناس الدغيدى محاولة غير موفقة فى فيلم «الوردة الحمراء»، ولا أتصور أن رمزى كان سعيدًا بأى من هذه الأدوار، وربما لولا صداقته لفاتن وعمر ما كان يقبل العودة. الابتعاد كان قراره وكانت أيضًا السوق قاسية عليه، ولم يظهر إلا فى الحوار الذى أجراه معه أحمد السقا قبل سنوات قلائل، وسبقه ربما حوار مع صفاء أبو السعود فى برنامجها «ساعة صفا».. المؤكد أن رمزى وافق على تلك البرامج من أجل الإغراء المادى لأنه ليس من هؤلاء الذين لديهم شغف بالحكى والظهور الإعلامى.. رمزى لا يمكن أن تتصور أنه سوف يفرق معه الحضور أمام الكاميرا أو الانزواء بعيدًا عنها! أخطأ جيل مخرجى الثمانينيات كثيرًا عندما لم يحاولوا الخروج عن الصندوق التقليدى فى الاختيار فلم يضعوه فى مكانة درامية كان قادرًا وهو فى تلك المرحلة العمرية على أن يشغلها باقتدار. قال رمزى وداعًا لهذا الزمن الذى لم يمنحه ما يستحقه، بينما الشاشة احتفظت له بصورة ثابتة للشاب الوسيم خفيف الظل، ولن يمكث فى الذاكرة سوى رمزى الشاب الوسيم المتمرد الذى يشمر القميص بينما صدره مفتوح على مصراعيه والسلسلة تتدلى أمامه وصوت ليلى رستم يقول «ياختى عليه!».