التساؤل من صحفى يعمل فى صحيفة حكومية فى آخر قاعة «أوجينى الفارهة» فى فندق الماريوت حول الفارق فى توجه الدولة للشراكة مع القطاع الخاص، قبل وبعد الثورة، أثار استنكار بل وسخرية وزيرى المالية والتخطيط والتعاون الدولى ممتاز السعيد وأشرف العربى، اللذين شددا فى «مؤتمر تمويل مشروعات البنية الأساسية ومشاركة القطاع الخاص بالشرق الأوسط»، قبل أيام، على أن شيئا لم يتغير فى ما يتعلق بحاجة الاقتصاد إلى تلك الشراكة. وهو توجه لا تدعمه الحكومة من تلقاء نفسها، كما يبدو، على أى حال. فقد كان يمثل توجها راسخا من توجهات ما يسمى ببرنامج النهضة الذى شكل برنامجا انتخابيا للرئيس محمد مرسى، حسبما عبر عنه خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بدعوى أن عجز الموازنة المتنامى لا يتيح التوسع فى مشروعات البنية الأساسية الضرورية لجذب الاستثمارات الخاصة، مؤكدا أن الشراكة مع القطاع الخاص تمثل طوق النجاة الوحيد فى هذا الصدد.
عبد الله شحاتة رئيس اللجنة الاقتصادية فى حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، يقول ل«التحرير» إن «نواب الحزب الإخوانى فى لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب المنحل توصلوا إلى توافق مع وزارة المالية على تعديلات فى قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذى أعده يوسف بطرس غالى وزير المالية الهارب قبل إقراره فى عام 2010»، مضيفا «وكانت التعديلات تستهدف إتاحة مزيد من التسهيلات لجذب المستثمرين لتلك المشروعات، لكن حل المجلس أوقف تلك التعديلات بطبيعة الحال».
على أن ما تجاهله الوزيران، عن عمد ربما، هو أن السؤال ليس وليد اللحظة. فهناك فى أوروبا التى ابتكرت الشراكة بين القطاعين العام والخاص كتقنية للتمويل قبل عقود فى عهد رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر الآلاف ممن اختبروا فى بلادهم تلك التقنية واكتشفوا نتائجها الكارثية ومن يبغون تحذير المصريين منها، فحسبما يؤكد موقع «بانك ووتش»، مراقبة البنوك، الذى أطلقته مجموعة من الباحثين الأوروبيين تعمل فى وسط وشرق أوروبا «مصر بالذات عانت من تجارب مؤلمة مع الخصخصة والفساد خلال سنوات حكم مبارك، وهى خبرة تجعل من الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالأحرى أمرا شائكا».
ويسرد «بانك ووتش» أمثلة مفصلة لإخفاق الشراكة بين القطاعين العام والخاص «منذ عام 1997 ونهاية العام 2010 فى إنجلترا، وقعت الحكومة 102 اتفاق بالشراكة مع القطاع الخاص، فى القطاع الصحى، فى مقابل 35 مشروعا للخدمات الصحية فقط بتمويل من الدولة، ووقّعت الحكومة 45 اتفاقا آخر بالشراكة مع القطاع الخاص فى أيرلندا الشمالية وأسكتلندا ووويلز خلال نفس الفترة»، راصدا ما تكشّف فى نهاية تلك الفترة من أن المشروعات التى لم تتعدَّ كلفتها الاستثمارية 11.3 مليار جنيه إسترلينى (14 مليار مليار يورو)، أصبح لزاما على الدولة أن تدفع فى مقابلها 65.1 مليار إسترلينى (80.7 مليار يورو)، مع الأخذ فى الاعتبار كلفة الصيانة والنظافة، وكذلك الأمر فى ما يتعلق بمشروع تحديث مترو أنفاق العاصمة البريطانية لندن الذى بدأت الانتقادات تُوجه إليه منذ وقت مبكر بعد توقيع عقد مدته 30 عاما، بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى عام 2003، على خلفية ارتفاع كلفته فى مقابل الأرباح الطائلة للقطاع الخاص، وانتهى الأمر بأن اضطرت شركة لندن للمواصلات، التابعة للدولة، إلى شراء التحالف الذى دخلت معه فى شراكة أصلا ومن ثم انتهت الشراكة مع القطاع الخاص.
هذا بخلاف مشروع الطريق السريع فى سلوفاكيا الذى كان يستهدف الربط بين الشق الغربى الثرى للبلاد مع نظيره الشرقى الأفقر. المشروع، وفقا ل«بانك ووتش»، وصلت كلفة التعاقد على إتمامه بنظام الشراكة مع القطاع الخاص، وفقا لاتفاق يمتد إلى 30 سنة، إلى 9.128 مليار يورو فى مقابل ما كانت حكومة البلاد تتوقعه من كلفة لا تتجاوز 7.822 مليار يورو، أما «مشروع معالجة مياه الصرف الصناعى فى زغرب فى كرواتيا والذى افتتح على مراحل بين عام 2004 و2007 بتمويل من بنك الإنشاء والتعمير الأوروبى فقد أسقط مدينة زغرب فى قبضة مشروع عالى الكلفة» حسبما قال «بانك ووتش»، مشيرا إلى أن المستهلكين من أصحاب المصانع رفضوا دفع قيمة الخدمة بعدما ارتفعت إثر تلك الشراكة بالمقارنة مع كلفة أقل للخدمات المقدمة من الدولة بطبيعة الحال، فاتجهت السلطات فى المدينة إلى استخدام أموال دافعى الضرائب فى دفع قيمة تعاقدها مع بنك الإنشاء والتعمير الأوروبى، ومع ذلك فقد تكشف فى عام 2012 أن الحكومة مدينة للبنك بمئة وثمانين مليون يورو.
وهى أمثلة يواجهها شريف عطيفة مسؤول الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى الهيئة العامة للاستثمار قائلا إن إتمام أى اتفاق للشراكة مع القطاع الخاص تسبقه بالضرورة عملية للمقارنة فى حال جرى إنشاؤه على يد الدولة، فى حين يصف عاطر حنورة مسؤول الشراكة مع القطاع الخاص فى وزارة المالية المعارضين لتلك الشراكة فى أوروبا بأنهم «ينطلقون فقط من أرضية أيديولوجية يسارية» على حد تعبيره.
ريموند بوردو خبير الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى البنك الدولى قال بدوره إن «الشرط الوحيد لنجاح المشروعات بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو الوصف الدقيق لكل تفاصيل المشروع وهو أمر لا يتوفر فى قطاع من قبيل تكنولوجيا المعلومات الذى يشهد تغيرات سريعة للغاية