من المكتسبات المهمة لثورة 25 يناير تأكيد حق التظاهر.. حق التظاهر.. والمظاهرات والإصرار عليها هو الذى أسقط حسنى مبارك.
.. المظاهرات هى التى أحالت حسنى مبارك وعصابته وابنيه جمال وعلاء مبارك إلى المحاكمة بتهم قتل المتظاهرين والفساد. هذه المظاهرات هى التى أحالت رموز النظام السابق، أمثال صفوت الشريف وفتحى سرور وزكريا عزمى وغيرهم إلى المحاكمة بتهم الفساد.. وبسببها تمت محاكمتهم على فسادهم المالى لا السياسى الذى شاركوا فيه حسنى مبارك.
.. هذه المظاهرات هى التى كشفت فساد واستبداد نظام مبارك.. وفساد الحزب الوطنى الذى سيطر على البلاد . .. هذه المظاهرات هى التى كشفت سوء إدارة المجلس العسكرى للبلاد خلال الفترة الانتقالية السابقة.. وتفاهة وعجز جنرالات معاشات المجلس العسكرى.. واستخدامهم العنف ضد الثوار.. واستمرارهم فى سياسات مبارك وعصابته فى قمع المتظاهرين.
كما كشفت كذبهم وتضليلهم وسعيهم إلى البقاء فى السلطة، وتحالفاتهم المشبوهة مع القوى السياسية التى كانت متحالفة مع نظام مبارك، أو متهادنة معه.. وللأسف ما زالت فى النشاط السياسى حتى الآن.
.. وهذه المظاهرات هى التى أجبرت المجلس العسكرى وجنرالاته المعاشات على وضع جدول زمنى لتسليم السلطة، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.. (ولا تنسوا ما جرى فى مظاهرات محمد محمود وأمام مجلس الوزراء وشارع قصر العينى وأمام وزارة الداخلية). .. فمن غير المعقول أن يأتى اليوم مَن يهاجم تلك المظاهرات بعد تحوّله من منافقة وموالسة النظام السابق الفاسد -كان وقتها يهاجم المظاهرات ضده- إلى موالاة النظام والحكم الجديد، من أجل مصالحه الشخصية التى اكتسبها من موالسته الجديدة.
لقد خرجت المظاهرات بشكل منتظم ضد حسنى مبارك ونظامه، تطالب بإسقاطه منذ خروج حركة كفاية إلى النور فى نهاية عام 2004. .. واستمرت مظاهرات كفاية.. وكان يخرج العشرات فيها وتزيد أحيانًا إلى المئات والآلاف تحت شعار «لا للتمديد.. لا للتوريث». .. وأسقطت تلك المظاهرات قدسية مبارك ونظامه وفضحت رموزه، وكشفت فسادهم وتزويرهم.
.. وشجّعت مظاهرات «كفاية» حركة استقلال القضاء.. ليقف القضاة ضد استبداد النظام، ويطالبون بالاستقلال ودولة القانون.. ويكشفون تزوير إرادة الجماهير فى الانتخابات والاستفتاءات التى كان يجريها النظام فى مجالسه التشريعية (الوهمية)، وكذلك الانتخابات الرئاسية التى جعلوها فى عام 2005 أول انتخابات تنافسية.. وكأنهم يضحكون على الذقون.. وبالطبع كان هناك مَن يروّج لذلك فى وسائل الإعلام التى كان يسيطر عليها نظام الولاء.. وبأمن الدولة.
.. وقد شجّعت هذه المظاهرات ضد النظام الفاسد الذى كان «يكوّش» على كل شىء -وجعل البلاد عزبة خاصة يتصرف فيها كيفما يشاء، ويوزّع من خيراتها على محاسيبه ورجال أعماله الفاسدين- العمال والموظفين للخروج للكشف عن مآسيهم ويطالبون بحقهم الأدنى فى حياة كريمة.
.. لكن بعد ذلك استيقظ الناس بعد ثورة قامت من أجل التغيير والانتقال إلى مجتمع الحرية والكرامة ودولة العدالة والقانون، على سلطة جديدة لا تؤمن بالتغيير وتكتفى بإصلاحات شكلية.. وتفتقر إلى الكفاءة والخيال فى التعامل مع مشكلات ورثناها من نظام فاسد ومستبد.
.. وكأننا استبدلنا سلطة بأخرى، وحزبا بآخر، ولم يتغير شىء.. وتسير السلطة الجديدة على نهج السلطة الفاسدة فى التعتيم وعدم الشفافية واستعادة الطوارئ وقمع الحريات.. والالتفاف حول أهداف الثورة من تحقيق دولة مدنية ودستور عصرى يشارك فى وضعه جميع قوى وطوائف المجتمع، والإفراج عن المعتقلين من الثوار، فى الوقت الذى يفرجون فيه عن تجار السلاح.. ويمنحون الأمان والخروج الآمن لمن أجرموا فى حق الشعب وقتلوا الثوار.
.. نعم لمظاهرات ضد هيمنة فريق أو جماعة على السلطة، والاستبداد بها. .. نعم لمظاهرات ضد عودة سلطات مبارك وعصابته إلى رئيس آخر.. ولو بالدستور.
.. نعم لمظاهرات من أجل الحرية وضد الطوارئ حتى لو جاءت من قاضٍ فى حجم المستشار أحمد مكى.