فى مثل هذا اليوم، 23 يناير من العام الماضى، كنت حاضرا حفل توقيع للكاتب الكبير علاء الأسوانى فى مكتبة دار «الشروق» بالمهندسين، فى حضور نخبة كبيرة من الإعلاميين والسياسيين والفنان الكبير على الحجار الذى أنشد فى نهاية الحفل مجموعة من أغانيه الوطنية، وكان من بين الحضور المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادى قضاة مصر الأسبق، الذى أدار -ولا يزال- حركة تيار استقلال القضاء.. وقاد القضاة فى انتفاضاتهم ضد استبداد وفساد النظام عام 2006، التى أحدثت دويا فى الواقع السياسى، وشارك ذلك فى المناخ المعبأ ضد الديكتاتورية والفساد وتزييف إرادة المواطنين والتمهيد للثورة مع الحركات السياسية والاحتجاجية، مثل حركة «كفاية» التى أشعلت الحياة السياسية ضد مبارك ونظامه، والتى رفعت شعار «لا للتمديد.. لا للتوريث».. كفاية.. كفاية على مبارك ونظامه الفاسد ما اقترفه فى حق الشعب المصرى من إفقاره ومحاولة إفساده وتعجيزه عن الحركة والاحتجاج ضد الاستبداد والقهر.. وتخويف المواطنين من قوى الظلم والتعذيب الممنهج فى أقسام الشرطة والسجون. .. هذا الاحتفال الثقافى كان يحضره عدد كبير من الشباب أكثرهم من الفتيات وطالبات الجامعة الذين أثروا النقاش مع علاء الأسوانى عن الواقع السياسى والفساد واستبداد النظام.. وقهر الشرطة وأمن الدولة وسيطرة الأمن على كل شىء فى البلاد.. وتزوير إرادة المواطنين. .. وكانت المفاجأة الجميلة أن يتحدث كل شاب أو كل فتاة.. ويعلن أو تعلن فى نهاية كلمته أو سؤاله أنه سينزل إلى الشارع وفى ميدان التحرير فى مظاهرات 25 يناير، وكانت الدعوات قد بدأت تنتشر بشكل رهيب على مواقع التواصل الاجتماعى. وتزامن ذلك مع إطاحة الشعب التونسى بالديكتاتور المستبد زين العابدين بن على.. وهروبه إلى السعودية بعد أن وجد ملاذا آمنا هناك. ونزل الشباب يوم 25 يناير ونجح فى جذب الشعب المصرى إليه ليخرج فى ذلك اليوم من كل حارة.. وفى كل مدينة فى مصر لتبدأ الثورة من ميدان التحرير.. وميادين مصر عبر 18 يوماً. ورغم محاولات النظام وأعوانه -الذين ما زال بعضهم فى واجهة المشهد ويشاركون فى السلطة الآن- إثناء الشعب عن الثورة ضد مبارك ونظامه الفاسد الساقط وتخويف الناس عن طريق الانفلات الأمنى -الذى ما زال حتى الآن- بقيادة العادلى وعصابته فى وزارة الداخلية، إلا أن إصرار الشعب على خلع مبارك وإكمال ثورته ظل مستمرا. ولم تثنه أيضا موقعة الجمل التى أظهرت نظام مبارك وعصابته وحزبه الوطنى الساقط وجهاز أمن الدولة «المنحل» فى تعامله مع الشعب الثائر ضد الاستبداد والطغيان فى ظل تواطؤ الجميع ضد ثورة الشعب. ومع هذا انتصر الشعب على جميع قوى الطغيان والاستبداد والقهر.. ليجبر فى النهاية مبارك على التخلى عن السلطة ويتم خلعه.. وليتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد. .. ومع استمرار الأيام فشل المجلس العسكرى فى إدارة شؤون البلاد.. ولكنه طغى وتكبر.. واستمر فى السلطة ولف ودار حول تسليم السلطة.. وبعد أن أعلن فى البداية أن الأمر لن يستغرق سوى 6 أشهر ولم يحقق أهداف الثورة.. وبوضع خارطة طريق جديدة للانتقال السلمى للسلطة بشكل ديمقراطى ومن خلال دستور جديد تنتقل مصر إلى دولة ديمقراطية حديثة تليق بثورتها العظيمة التى ألهمت وأبهرت شعوب العالم وبشعبها العظيم وبتاريخها وجغرافيتها. وأدخل القوى السياسية فى خلافات حول «الدستور أولا» أو «الانتخابات أولا» ليدخل فى تحالفات غريبة مشوهة من أجل الإبقاء على جنرالات معاشات المجلس العسكرى فى السلطة بعد أن استمتعوا بها خلال الفترة الماضية.. فى ظل نفاق وموالسة بعض السياسيين السابقين ورجال أعمال وإعلاميين ينتمون إلى النظام السابق، والذين كانوا يمارسون نفس الدور. .. ويأتى اليوم الذى يحاكم فيه مبارك عن جرائمه فى حق الشعب المصرى.. وليفاجأ الجميع بما يردده محاميه فريد الديب من أن حسنى مبارك ما زال رئيسا للجمهورية وفقا لدستور 1971، وكأن شيئا لم يحدث وكأن ما جرى هو انقلاب داخل القصر قام به أعضاء المجلس العسكرى.. وهنا يطالب مبارك المخلوع بحقه فى استعادة منصبه الذى اغتصبه عبر ثلاثين عاما. .. ويأتى يوم 23 أيضا ليوقع فيه الكاتب الكبير علاء الأسوانى فى نفس المكان (دار «الشروق» بالمهندسين) ليعيد أجواء 25 يناير أيضا ويعلن الشباب وينضم إليهم كل فئات المجتمع للنزول إلى الشارع وإلى الميادين لاستكمال ثورتهم. فما زالوا يقولون إن الطاغية حسنى مبارك ما زال هو الرئىس. .. إذن فلا بد من الثورة عليه.. وعلى من أضاعوا عاما كاملا على مصر وشعبها وثورتها. .. فما رأى السادة أعضاء مجلس الشعب الذى يعقدون أول اجتماعاتهم اليوم وهم الذين جاؤوا إلى هذا المجلس بفضل شهداء الثورة.