مصر مش تونس.. هذه العبارة كررها رموز النظام السابق ومنافقوه وموالسوه وكتابه ومفكروه بعد خلع الرئيس التونسى زين العابدين بن على وهروبه إلى السعودية، بعد ثورة 14 يناير التونسية العظيمة. حاول النظام بكل ما يملك فى تلك الأيام الدفاع عن نفسه وأطلق مدفعيته فى الفضائيات والصحف التى يمتلكها أو حتى التى كان يباشرها عن طريق وزير إعلامه أو جهاز مباحث أمن الدولة. ولم يتحمل النظام برنامج «توك شو» كان ضيفه د.عمرو حمزاوى، ليقدم مقارنة بسيطة جدا توصِّل فى النهاية إلى أنه ما حدث فى تونس يمكن حدوثه فى مصر بسهولة، وبنفس الطريقة، وذلك فى حضور الكاتب الكبير صلاح عيسى، الذى كان حاضرا لقاء مثقفين مع حسنى مبارك قبل شهرين، وخرجوا جميعا منه يؤيدون ترشيح مبارك للرئاسة لفترة سادسة. وبالطبع كان رأى صلاح عيسى أن «مصر مش تونس»، وأن زين العابدين بن على غير حسنى مبارك. ومع هذا أزعج البرنامج عصابة مبارك الحاكمة وابنه الذى كان يدير شؤون البلاد، فأرسلوا أحد أتباعهم إلى البرنامج وهو الدكتور عبد المنعم سعيد، ليدافع عن مبارك وسياساته، وليؤكد بشكل غريب وغير علمى -وهو مدعى العلمية والمنهجية دائما- أن مصر مش تونس، وأن هناك فارقا كبيرا بين بن على ومبارك! الغريب أن النظام نفسه لم يفكر فى أحداث تونس بشكل واقعى، ولم يكن يقرأ الأحداث، وإنما اعتمد على غطرسة القوة والاستبداد والتنظيم السرى لوزارة الداخلية فى القهر والتعذيب. لكن الشعب المصرى كان فى انتظار حدث، مثل ما جرى فى تونس، ليخرج إلى الشارع يوم 25 يناير -وبعد 10 أيام فقط من خلع بن على- ليؤكد أن مصر زى تونس ولا تقل أبدا عنها فى ثورتها ضد الاستبداد والطغيان والفساد.. بل ليثبت الشعب المصرى أن مصر مش زى تونس فقط، بل إنها أمها كمان، فمنذ اليوم الأول فى ثورة 25 يناير أطلقت الجماهير الشعار الرائع الذى تناقلته بعد ذلك جميع شعوب ربيع الثورات العربية «الشعب يريد إسقاط النظام». وأسقط الشعب المصرى نظام مبارك وعصابته فى 18 يوما فقط، متعديا أيام الثورة التونسية، ولتبدأ عملية نقل السلطة، وتبدأ المقارنات الحقيقية بين مصر وتونس فى بناء المجتمع الجديد بعد التخلص من احتلال الاستبداد والفساد. وبدأت تونس منذ اللحظة الأولى فى التفكير الصحيح فى بناء الدولة الحديثة، وبعد مناقشات عسيرة، ورفض لحكومات مرتبطة بالنظام السابق، جرى الاتفاق على الدستور أولا، وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع هذا الدستور بعد إطلاق الحريات وإنشاء الأحزاب، وجعل المناخ العام مناسبا لذلك، كله فى حماية الجيش الذى لم يدر شؤون البلاد أو يحكمها، وقد كان الأمر فى يده بعد خلع زين العابدين بن على. لكن قيادات الجيش تركوا السياسة وأمورها للسياسيين، من خلال رئيس مؤقت ورئيس حكومة مؤقت، والاستعانة بجميع الخبرات السياسية والقانونية سواء فى الداخل أو الخارج، وكان له -أى الجيش- الحماية فقط. وجرى اتخاذ قرارات حاسمة، مثل العزل السياسى لرموز النظام السابق وجميع وزراء زين العابدين بن على عبر 23 عاما، وكذلك قيادات حزبه الفاسد «التجمع الدستورى» حتى على مستوى الخلية الحزبية، وهو عدد يقدّر بعشرات الألوف. لكن عندنا الأمر بات غريبا، فالجيش، أو المجلس العسكرى -كما يفضلون تسميته- أعجبته حكاية تولى إدارة شؤون البلاد وحوّلها إلى حكم البلاد، وأطال الفترة الانتقالية التى تعهد بها، وأجرى استفتاء مسرحيا على ترقيعات دستورية، وبدأ فى تبريد الثورة والالتفاف حول مطالبها الرئيسية. وحافظ على فلول النظام السابق، بل استخدمهم فى مناصب كبيرة، للمساعدة فى إدارة شؤون البلاد. وأصدر قوانين سيئة السمعة على رأسها قانون الانتخابات، لنجد الفلول يعودون ويتصدرون المشهد فى تلك الانتخابات، لدرجة أنه يخيل إليك أن مبارك قد يرشح نفسه مرة أخرى. فلم يتخذ المجلس الأعلى الذى يحكم البلاد أى قرار لعزل الفاسدين سياسيا، مكتفيا ببعض المحاكمات التى باتت هزلية الآن ولا تعبر عن ثورة عظيمة قامت من أجل التخلص من الاستبداد والفساد. ولتكون المحصلة فى النهاية أن يدخل المجلس العسكرى الذى يحمى الثورة طرفا أصبح غير مرغوب فيه بعد أفعاله الأخيرة، خصوصا بعد أن أصبح بعض الجنرالات يعجبه الآن حكاية إدارة شؤون البلاد، أقصد حكم البلاد. يا أيها الذين فى المجلس العسكرى.. انظروا إلى تونس واوعى حد يقول: إن مصر مش تونس!