كما كانت تونس فى ثورتها ضد استبداد وطغيان رئيسها المخلوع زين العابدين بن على مهمة لثورة 25 يناير العظيمة التى تم فيها خلع المستبد والطاغية الفاسد حسنى مبارك وعائلته وعصابته التى رعت الفساد والطغيان عبر 30 سنة... وألهمت تلك الثورة الشعوب العربية فى الثورة على مستبديها وجزاريها وفاسديها، فهى الآن تعطينا دروسا فى كيفية انتقال السلطة بقواعد وأصول وبشكل ديمقراطى حقيقى.. فالإجابة تونس مرة أخرى فى الانتقال السلمى للديمقراطية وبشكل حقيقى خلال المرحلة الانتقالية التى يشارك فيها جميع القوى السياسية، بعد «الإجابة تونس» بالثورة على الاستبداد والطغيان. فهى تونس تتوصل إلى دستور مؤقت للبلاد عبر المجلس الوطنى التأسيسى الذى جرى انتخابه بشكل ديمقراطى وكانت الانتخابات بحرية ونزاهة وهو الدستور الذى يحدد شروط وإجراءات ممارسة صلاحيات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى حين إجراء الانتخابات العامة المتوقعة خلال عام.. وإقرار دستور جديد نهائى لتونس فى المرحلة الجديدة. هنا يتضح أن تونس وضعت قواعد قبل إجراء الانتخابات العامة من خلالها يمكن السير عليها وبطريقة ديمقراطية تحقق الصالح العام.. ودون انتهازية طرف على آخر. ووفقا للدستور المؤقت سيتم ترشيح رئيس جمهورية مؤقت يدير شؤون البلاد مع رئيس حكومة متوافق عليه بين القوى السياسية المختلفة التى جاءت عبر انتخابات حقيقية للمجلس الوطنى التأسيسى، فقد اختارت تونس الطريق السليم، وكما يقول كتاب الديمقراطية فى انتقال السلطة.. لم يكن هناك عسكر يتحكمون فى انتقال السلطة وليس عندهم جنرالات يفهمون فى القانون ويعتبرون أنفسهم فقهاء قانونيين مثل الجنرال الدكتور ممدوح شاهين ولم يعاير الجيش الشعب بأنه حمى الثورة... ولم تتحجج الإدارة المؤقتة لشؤون البلاد بقانون الطوارئ الذى فرضه زين العابدين بن على فى الحفاظ على أمن الدولة وإنما تم إلغاؤه. لقد وجد الجيش التونسى السلطة هناك على الرصيف.. لكن لم يقترب وترك إدارة شؤون البلاد للمدنيين وأصحاب الخبرة، وحماهم وحمى الثورة.. وترك القوى السياسية والمدنيين يتناقشون معا للوصول إلى خارطة طريق سليمة لنقل تونس إلى الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.. وتسلم المدنيون إدارة البلاد ولم يُجروا استفتاء على ترقيعات دستورية على دستور بن على.. وإنما دعوا كل القوى للمشاركة فى انتخابات المجلس الوطنى التأسيسى ليضع الدستور للبلاد ويشارك فى اختيار الرئيس المؤقت للبلاد ورئيس الحكومة بالتوافق العام بين القوى المختلفة، وجرى الاستعانة بجميع الخبرات التونسية التى كان يطاردها نظام بن على.. وبالتوازى مع ذلك بدأت مشروعات لإصلاح الإعلام من خلال شخصيات تونسية مشهود لها بالنزاهة عن طريق المجلس الوطنى للإعلام.. وكذا الأمر فى القضاء لإقرار مشروعات لاستقلال القضاء.. وهكذا فى كل المؤسسات لتصل فى النهاية إلى انطلاق عمل تلك المؤسسات بشكلها الجديد خلال المرحلة الانتقالية التى تنتهى بدستور دائم وانتخابات رئيس جمهورية وتشكيل حكومة منتخبة. وهنا لا بد من المقارنة بين ما حدث ويحدث فى تونس وما حدث ويحدث فى مصر، فعلى الرغم من مرور أحد عشر شهرا على ثورة 25 يناير ما زال أداء المجلس العسكرى الذى تولى إدارة شؤون البلاد ثم حُكمها أداء فاشلا ومرتبكا واستعان بمستشارى سوء ليضع عقبات فى انتقال ديمقراطى حقيقى للسلطة، ويبدو أنه أعجبتهم حكاية السلطة فالتفوا وناوروا حول مطالب وأهداف الثورة وأدخلوا البلاد فى متاهات ومناقشات عجيبة وأصدروا قوانين سيئة لنصل فى النهاية إلى انتخابات لمجلس الشعب دون قواعد وأصول ديمقراطية وليأتى برلمان مشوه يضع دستورا للبلاد قد يعيدنا إلى الوراء سنوات كثيرة. ويتذكرون الآن دور المدنيين ومطالب الثورة والثوار بتشكيل مجلس مدنى لإدارة البلاد يشارك فيه العسكر فيشكلون الآن مجلسا استشاريا للعسكرى بعد فوات الأوان! يا أيها الذين فى المجلس العسكرى.. انظروا إلى ما يحدث فى تونس لعلكم تستفيدون.. فالإجابة تونس مرة أخرى..