(1) كيف لا تصبح كاتبا فاشلا؟ ستسألنى: ولماذا لم أقل «كيف تصبح كاتبا ناجحا؟». سؤال حضرتك وجيه جدا، لكننى سأجيبك عنه فى فقرة قادمة. (2) لا بد أن يسعد أى كاتب برسائل من شباب فى مقتبل العمر يحبون الكتابة، ويسألون عن السبيل لاحترافها، المفرح فى الأمر أن تحدد مبكرا ما تريد أن تفعله، هذه نعمة كبيرة، فهناك من تنتصف أعمارهم قبل أن يعرفوا (هم عايزين إيه بالضبط).
أجمل تعريف للحظ أو للشخص المحظوظ قرأته فى حياتى يقول (الشخص المحظوظ هو شخص يعرف ماذا يريد)، عندما تكون على معرفة بماذا تريد ستجيد التقاط الأشياء التى تخدم رغبتك.. وهى أشياء متاحة أمام أعين الجميع، وربما هى عادية وتافهة من وجهة نظرهم.. فقط من يعرف ماذا يريد يرى فى هذه الأشياء كنزا بمقياس أحلامه.
أنت أيضا محظوظ لأنك لا تكتفى بمعرفة ما تريد، لكنك أيضا تتلمس كل السبل المتاحة لتحقيقه، ولو حتى برسالة لواحد سبقك فى مهنة الكتابة بعدة سنوات، وتطلب منه النصيحة.
أنا مش بتاع نصايح، ولا أمتلك أمارة لتقديمها، حيث ما زلت أرى نفسى فى بداية الطريق، وما زلت أتعلم وأخطئ وأستفيد من أخطائى.. أقولها لك صريحة حتى نكون متفقين من الأول، كل ما فى الأمر أن البعض طلب المشورة من شخص سبقهم بما يقرب من عشر سنوات فى عالم الكتابة، خلال هذه السنوات تكونت لدى قناعات ما، سأنقلها لك، وعليك أن تفرزها لتنتقى منها ما قد يفيدك.
(3) من أكثر الأسئلة التى توجه إلىَّ فى الندوات «أنت خريج إيه؟»، وهو سؤال ألمح فى عين صاحبه أنه يتوقع إجابة عن سؤال آخر، وهو «اتعلمت الكتابة فين؟».
لا يوجد مكان فى العالم كله يعلّم شخصا كيف يكتب، ولا تربط أبدا بين مستقبلك التعليمى ورغبتك فى امتهان الكتابة، وكن واثقا بأنه ما دمت تريد أن تكون كاتبا فأى شىء تدرسه سيصب فى مصلحة هذه الرغبة، فقط عليك أن تهتم بما تدرسه فكل ما تتعلمه، حتى لو كان مهنة يدوية سيصب فى طريق إتقانك الكتابة بطريقة أو أخرى.
إذا التحقت بكلية الهندسة ستستفيد منها كيف تصمم كتاباتك بطريقة متماسكة، ستتعلم من دراسة الهندسة دون أن تدرى كيف يكون بناؤك للنص الذى تكتبه بناءً قويا يقف على أرض صلبة ويجذب العين، إذا درست التاريخ ستتكون لديك مرجعية تدعم أفكارك طوال الوقت، وستجد فى التاريخ القصص والسير الذاتية والمقارنات والاكتشافات التى ستلهمك أفكارا لا تنقطع أبدا، إذا التحقت بكلية الطب ستغوص فى رحلة إلى أعماق الإنسان ستقوى قدرتك على التأمل وستمنحك موهبة معرفة من أين يأتى الألم فتكون كتاباتك خير دواء لكثيرين، حتى لو التحقت بكلية رياض الأطفال ستجد نفسك تكتسب، دون أن تدرى، أمرا يميز كتابا قلائل فى العالم. فالطفل غير قادر على التعبير عن نفسه، وفى كلية من هذا النوع تتعلم كيف تفهم الأطفال وتتواصل معهم.. هكذا القارئ فى كل مكان فى العالم هو طفل ملىء بالمشاعر والشكوى التى لا يجيد التعبير عنها، لأن الله ربما منحه مواهب كثيرة لكن لم يمنحه موهبة بناء جملة مفيدة تعبر عنه.. هنا يأتى دورك أن تكتب بالضبط ما يدور فى خيال القارئ الطفل ويعجز عن التعبير عنه فتصبحان صديقين.
بالمناسبة أنا خريج تجارة وإدارة أعمال. (4)
فى أحد الأزمنة ذهب شاب إلى شاعر كبير، وقال له أريد أن أكتب الشعر، فقال له اذهب فاحفظ ألف بيت، ففعل، وعاد فقال له اتلها علىّ، ففعل بنجاح.. فقال له الشاعر الكبير.. حاول أن تنساها، وارجع لى بعد سنة، ففعل، وعاد إليه فقال له الآن تستطيع أن تكتب. ما الفكرة؟
الفكرة تبدو فى جملة ساذجة سمعتها كثيرا تقول (القراءة غذاء الروح)، بالنسبة إلى القارئ العادى هى قاعدة قد تفشل، لكن لمن يود امتهان الكتابة هى الحقيقة صافية. الكتابة لا تخرج من العقل إلا لو كانت أكاديمية.
الكتابة التى تود أن تحترفها حضرتك لا مكان لها سوى الروح، لا بد أن تخرج من أعماق روحك قبل أن تمر بعقلك.
أرجوك لا تعتبره مجرد كلام عاطفى، فالكتابة هى المهنة الأرقى فى الوجود، يكفى أن أول أمر إلهى فى القرآن كان (اقرأ)، وأن آلة العمل الوحيدة المذكورة فى القرآن هى (القلم)، للمهنة جلال لا يعرفه إلا من أحبها.
والروح قد تصدأ ولا شىء يجلوها سوى القراءة، وقد تذبل ولا يحييها شىء إلا المعرفة، وقد تمل ولا تستعيد نشاطها إلا ببهجة الاكتشافات، وقد تتوه ولا يعيدها إلى الطريق إلا تجارب الآخرين المدونة. ماذا يجب أن أقرأ؟
أولا يجب أن نتفق على أن القراءة عملٌ ثقيلٌ على أنفس كثيرين، ذلك لأنهم لم يتدربوا على القراءة، الأمر بالفعل يحتاج إلى تدريب حتى لا تشعر بمشقته، وحتى تتجاوز النفور الكامن بداخلك من قراءة الكتب التى فرضتها عليك وزارة التربية والتعليم. حتى تحب القراءة.
عليك أن تبدأ بالقراءة عما تحب. الكتابة هى صدى لما قرأته، وأحيانا أكتشف عند عودتى لما كتبته من زمن أنه كان ردا أو توحدا ضد أو مع ما سبق أن قرأته حتى لو كان كتابا عن أشهر الأمثال فى العالم.. ما تكتبه دائما يبدأ من النقطة التى توقفت عندها فى تحصيل المعرفة. هذا على مستوى تغذية الروح التى ستفتح لك آفاق الإلهام.. فماذا عن الأسلوب؟ سأقول لك غدا.