أن تأتى من ملك السعودية فهذا أمر لافت وفارق وأيضًا من خلال مؤتمر إسلامى دعا إليه بنفسه ووصفه بالطارئ فهذا أمر يضيف إلى أهمية ما فعل لقد دعا الملك عبد الله فى مكة وبين زعامات الدول الإسلامية لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب (الإسلامية طبعًا)فى البقعة الأقدس والأطهر حيث بيت الله الحرام هذه مسألة لا بد أن يكون لها ما بعدها أصلاً الملك السعودى عند المجتمع الدولى هو حامى الإسلام السنى، وعندما زاره الرئيس المصرى فى زيارته الأولى خارج البلاد أراد بتصريحات واضحة أن يضع مصر تحت هذه المظلة السعودية التى تحمل عنوان الإسلام السنى، كأننا قد قسّمنا الإسلام وهو واحد! لكن أول من أمس، ينقل ملك السعودية المسألة إلى مربع أكثر هدوءا وأرحب عقلا وأعظم أجرا حين يقترح تأسيس مركز الحوار بين المذاهب (وفى السعودية) بدلا من التنافر والتناحر والتنافس والتصارع بين السنة والشيعة؛ أعتذر لكم عن قلة راحتكم حين أخبركم أن الإسلام لا سنىٌّ ولا شيعىٌّ وأن الإسلام بلا مذاهب مذهبتموها غصبًا عن عين المسلمين! الحوار يعنى قبولا بالآخر وتقبلا له ويعنى فهما وتفهُّما.. ومن ثم تفاهُما. يعنى مشاركة وتماسًّا وتلامسا وتجاوزا للمختلف وتمسكا بالمشترك وتماسكا فى مواجهة تفكك المسلمين وتفكيك المجتمع المسلم. هذه خطوة هامة للمفارقة المدهشة أن الناصرية قد دعت إليها قبل الوهابية بكثير. نعم، مصر جمال عبد الناصر أنشأت برئاسة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت مركزا للتقريب بين المذاهب الإسلامية، والأزهر هو الجامع والجامعة الذى اعترف بحرية التعبد على مذهب الإثنا عشرية الشيعى لأى مسلم سنى، ولم يكن هذا غريبا على مصر، فالأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق تزوجت ولى عهد إيران الذى صار فى ما بعد إمبراطور إيران محمد رضا بهلوى فى زيجة شهيرة بين أميرة سنية وملك شيعى، ولم يغضب يومها أو يرفض أو يستنكر الزيجةَ علماءُ الأزهر ولا الإمام حسن البنا وإخوانه المسلمون، وكانوا عام 1939 فى عزِّهم. لكن أن تأتى فكرة الحوار بين المذاهب الآن من السعودية ومن مليكها، فهذا فى الحقيقة أكثر أهمية وأدعى للحفاوة والاحتفاء بالعقل فى وقت الغباوة، وللحكمة فى لحظات الفتنة وللرشادة فى ساحة العبث والهوس. فالدعوة من ملك الدولة الوهابية، حيث شيوخهم يحترفون تكفير الآخرين، والسعى إلى أسلفة المسلمين بمفهومهم الوهابى بحيث لا قبول إلا للسلفية، وفى توقيت حرب مذهبية باردة لم تصل إلى السلاح بعد (والحمد لله)، لكن نارها تشتعل فى عقول وصدور ملايين تغذِّيها جهالة وانتهازية سياسية وعمالة ولا شك. الحدود الجغرافية والنفسية بين السنة والشيعة فى سوريا والعراق ولبنان تكاد تفتك بالوطن العربى كله، فإذا بفكرة مضيئة تأتى من ملك السعودية أدعو الله أن تكون جادة ومتحمسة وعاجلة التنفيذ لتُخمِد شيئا من لظى التطرف الذى لا يرى فى غير مذهبه إلا الكفر والخروج عن الملة. أقول قولى هذا، ولأنى أعرف مدى ما نحن فيه من انحدار وحضيض عقلى فأذكِّركم أننى مسلم سُنىُّ شافعىُّ الدراسة حنفىُّ العقل، ومحبٌّ لآل البيت الأطهار وصوفىُّ النزعة ومنوفىُّ المولد.