هل كانت تخشى أن تتراجع عن موقفها فأرادت أن تضع نفسها أمام الأمر الواقع على الهواء لتعلن اعتزالها نهائيا فلو وجدت نفسها فى لحظة ضعف فلا تستطيع العودة، لأن الملايين شهود عليها؟ الفكرة تراودها منذ زمن، ولكنها لم تجرؤ على تنفيذها، ومن المؤكد أنها كلما قررت استمعت بداخلها إلى نداء آخر يقول لها: لماذا لا تواصل فهى صاحبة موهبة يحركها فيض من الإبداع يدفعها للوقوف مجددا أمام الكاميرا! كان من الممكن أن تنتظر قليلا حتى يأتى برنامج آخر مثلا أو تكتفى بحديث صحفى تعلن فيه القرار، ولكن حنان كما يبدو تخشى أن تضعف. الاعتزال هاجس للعديد من الفنانين.. كثيرون منهم تأتى عليهم لحظات عديدة، يعلنون فيها اعتزالهم لأسباب مختلفة، مثلا صرح بذلك قبل سنوات هانى شاكر لإحساسه بالإحباط. فضل شاكر اعتزل وهاجم بضراوة الوسط الفنى، مشيرا إلى أن هدفه الوحيد سيظل الدفاع عن طائفته الدينية السنية، ولكنه فى الحقيقة فعليا يواصل الآن الغناء.. كل فنان لديه حسبة مختلفة، فما الذى دفع حنان لإعلان الاعتزال فى رمضان؟! الحقيقة أن الحجاب واعتزال الفن بدأ يراودها بعد رحيل علاء ولى الدين قبل عشر سنوات، كانا يصوران فى البرازيل مشاهد فيلم «عربى تعريفة» وعاد فريق العمل إلى القاهرة لاستكمال التصوير، وليلة عيد الأضحى انتقلت روحه إلى الرفيق الأعلى، وصلَّوا عليه فى نفس الجامع الذى كان يصلى فيه قبل ساعات قليلة الفجر.. رحيل علاء هزها وجدانيا وقررت الاعتزال والتحجب، ولكن التنفيذ استغرق زمنا، وكانت قد اعتذرت فى البداية عن العديد من الأعمال الفنية مثل «مواطن ومخبر وحرامى» و«مذكرات مراهقة»، وجدت أنها تتناقض مع قناعتها وكانت تفرض شروطها فى تنفيذ عدد من الأفلام الأخرى مثل «أحلام حقيقية» فتحذف بعض اللقطات ثم تحجبت وواصلت المشوار على الشاشة الصغيرة، وكان لها فى السنوات الخمس الأخيرة مسلسل تلتقى فيه كل عام مع المشاهدين.. كانت هى النجمة المحجبة الوحيدة التى تقدم لها أدوار بطولة مطلقة.. بالتأكيد صابرين على الخريطة، وكثيرا ما تضع باروكة على شعرها إذا تَطلَّب الدور ذلك، ولكنها ليست هى الفنانة التى تُصنع من أجلها الأعمال الفنية. قناعة حنان أنها لن تُخلِص للحجاب وهى تمثل، ولن تخلص للتمثيل وهى محجَّبة، فقررت أن تعتزل لكى لا تجد نفسها فى موقف يهز إيمانها واختارت لفظ «ممسوكة»، قالت لا يمكن أن يمسكك أحد، تعنى أنها فى التمثيل من الممكن أن يمسكها فى يدها أو يسلم عليها ممثل، وهذه مخالفة شرعية، ومن الممكن أن تفتن أحدا بحجابها، ولا أدرى من الذى أقنعها بتلك الفكرة. حنان كانت تطبق قانون الحجاب على العمل الفنى، مثلا فى «أخت تريز» لم تخلع الحجاب فى أى مشهد يتطلب منها ذلك مثل وجودها بمفردها فى البيت، كما أنها ترفض أن تقدم شخصية سلبية وتصر على أن الحجاب ينبغى أن يتوافق مع السلوك الحميد، وحنان مثلا تنصت إلى عدد من الشيوخ تستشيرهم فى بعض اختياراتها الفنية حتى إنها فى رمضان الماضى خلعت زى المأذون الشرعى فى «نونة المأذونة» لكى لا تغضبهم. حنان ترك هى أكثر بنات جيلها موهبة منذ أن انطلقت قبل عشرين عاما فى فيلم «رغبة متوحشة» للمخرج خيرى بشارة، كانت تعلن عن موهبة حقيقية تتمتع بهذا الألق والحضور الخاص الذى يعلن عن نفسه. حنان توجهت عام 1994 إلى سينما يوسف شاهين فى فيلمه «المهاجر»، وكانت هى الأقرب إليه، وعندما تحجبت كان يوسف واحدا ممن اعترضوا، ورغم ذلك ظل الأقرب إليها. هل الفنان الذى يمنحه الله موهبة ثم يقرر فجأة الاعتزال يملك أن يطفئ تلك الشحنة التى تتأجج داخله؟ هل هناك «زرار» يضغط عليه فتتوقف تماما جيناته الفنية وينطفئ النور؟! حنان وجدت تعارضا بين انطلاقها الفنى الذى تسعى إليه والحجاب، فاكتشفت، ولا أدرى كيف أنها من الممكن أن تصبح فى بعض مشاهدها فتنة وأنا لم ألحظ منذ ارتدائها الحجاب أن هناك مشهدا قدمته به فتنة؟! حنان متمسكة بالاعتزال، ولكن هل تستطيع أن تقاوم نداء التمثيل الذى لن يخبو أبدا؟ ما الذى تحمله الأيام القادمة؟