لم يختلف الأمر كثيرا بين الحكومة الجديدة.. حكومة مرسى وقنديل.. وأى حكومة من حكومات مباركة خلال ثلاثين عاما من الفساد والإفساد والاستبداد.. عشوائية فى الاختيارات.. وغياب للشفافية.. وتغيرات وتراجعات وتبديلات فى اللحظة الأخيرة. بل لعل خيارات حكومات مبارك «الفاسدة» كانت أكثر كفاءة من اختيارات حكومة مرسى الجديدة. وهكذا بدأ الرئيس محمد مرسى، وجماعته، عديمى الخبرة والكفاءة.. ويؤكدون أنهم كانوا -ولا يزالون- تنظيما سريا ليست له علاقة بإدارة الدولة. فها هم فى أول محك رئيسى.. يفشلون فى تشكيل حكومة كفاءات أو حكومة سياسية من بين أنفسهم أو من بين المتحالفين معهم. وأرجو أن لا يدافع أحد عن هذه التشكيلة الوزارية بأنها تعبر عن التكنوقراط أو الخبرات.. فهذا كذب بيّن، فليس هناك تكنوقراط لكن هناك «بيروقراط»، مجموعة من الموظفين قد يكونون كبارا فى سلم الوظيفة، يعنى بيروقراطيين وليسوا تكنوقراطيين، وليست لهم أى خبرات سياسية بحجم الوزارات المنوط بها تغيير كبير، وفق مطالب وأهداف ثورة عظيمة، أطاحت بديكتاتور فاسد مستبد. إنها فعلا وزارة تليق بالرئيس محمد مرسى، كما كانت وزارات مبارك تليق به وتعبر عنه.. بل إنها امتداد لحكومات ووزارات دولة ونظام مبارك الفاسد المستبد. ولعل الاحتفاء بشخصيات كانت تمثل مبارك، ومنحهم وزارات.. وهم الأقل كفاءة، وكانوا فرزا ثالثا ورابعا فى الحزب الوطنى الساقط ولجنة سياسات ابن مبارك.. يؤكد فشل مرسى وجماعته فى التعبير عن الثورة وطموحات الشعب الذى قدم شهداءه لإسقاط النظام الفاسد.. والآن يجد الشعب النظام الفاسد مستمرا. ولو طبق قانون العزل السياسى.. لكان أكثر من نصف وزراء حكومة مرسى وقنديل معزولين ومطرودين من الحياة السياسية. لكن مرسى أعاد إلى الحياة السياسية مرة أخرى رجال مبارك ونظامه، لتذكيرنا بالقهر والفساد وعشوائية الحياة. وخد عندك على سبيل المثال شخصيات حكومة الإخوان ومرسى وقنديل.. وزير الصحة الدكتور محمد مصطفى، الذى أتوا به فى الحكومة، هو شريك حاتم الجبلى فى مشروعاته الخاصة، وساعده الأيمن فى وزارة صحة مبارك، وكما تعلمون، فالجبلى هو الذى أفسد الصحة فى السنوات الأخيرة قبل الثورة.. وأحد مؤيدى الوريث جمال مبارك. وأيضا أحمد زكى عابدين، الذى مُنح وزارة التنمية المحلية.. فهو الذى كان يفتخر بكونه محافظ مبارك وجمال مبارك، من بنى سويف إلى كفر الشيخ. وحدّث ولا حرج عن وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين، ابن شقيق زعيم أغلبية الحزب الوطنى المنحل عبد الأحد جمال الدين، وصاحب الدور العظيم فى حماية مبارك والعادلى وقت الثورة فى أسيوط.. والدور الأعظم عندما أتى به منصور العيسوى إلى الأمن العام، ليرعى سياسات حبيب العادلى ورجاله.. ويطارد الثوار بالخرطوش والمطاطى والرصاص الحى من محمد محمود إلى محيط وزارة الداخلية، مرورا بأحداث مجلس الوزارء وشارع قصر العينى (هل كان ذلك بالاتفاق مع جماعة الإخوان، الذين تركوا الثوار فى تلك الأحداث وهاجموهم، واتهموهم بالعمالة، على طريقة نظام مبارك؟). فضلا عن العامرى فاروق، الذى مُنح وزارة مستحدثة هى الرياضة، ليؤسسها ويضع أفكارها خلال المرحلة المقبلة.. وهو رجل أعمال «وارث الصفة»، وليس له أى أفكار، اللهم إلا أنه كان من الفرز الثالث أو الرابع للحزب الوطنى ولجنة جمال مبارك.. ويقدم الشكر «فى الطالعة والنازلة» للرئيس مبارك وابنه جمال، لرعايته الرياضة والرياضيين، فأصبح الآن فى حكومة الإخوان، ويقدم الشكر لمكتب الإرشاد والرئيس محمد مرسى لرعاية الرياضة والرياضيين.. يا صلاة النبى أحمر وأبيض. أيضا الإبقاء على وزارة الإعلام كأنهم يريدون استمرار إعلام صفوت الشريف فى الحشد لرئيس الجمهورية وجماعته.. ولم يتعلموا بعدُ أن وزارة الإعلام انتهت فى الدول الديمقراطية والدول التى جرت بها ثورات لتغيير الأنظمة. ناهيك بمجموعة الموظفين الكبار الذين كانوا من موظفى الحزب الوطنى ونظام مبارك، ويجمعون له موظفيهم لتحية الرئيس فى زياراته للشركات والمؤسسات.. ومُنحوا وزارات الكهرباء، والمالية، والتعاون الدولى، والاستثمار.. فقد تلونوا أيضا وأصبحوا فى الإخوان وحزب الحرية والعدالة.. فالأمر مش فارق كتير عندهم بين الحزب الوطنى وحزب الحرية والعدالة.. ما داموا فى مناصب. بل لقد وصل الأمر بالرئيس محمد مرسى إلى أن يمنح الدكتور الجنزورى قلادة النيل، أكبر وسام فى البلاد، ويعينه مستشارا للرئيس، وهو الذى كان هدفا رئيسيا فى حملته الانتخابية للرئاسة، باعتباره رجلا فاشلا فى إدارة البلاد وأنه وراء الأزمات والانفلات الأمنى، فضلا عن اتهامه بانتمائه إلى النظام القديم. إن الإخوان، ومعهم محمد مرسى، ينتصرون لدولة ونظام مبارك، ويؤكدون أنهم كانوا جزءا من النظام، ويحافظون عليه الآن.. أما حكاية الثورة وثورية بعضهم، فمن أجل المصالح الشخصية.. والحصول على أكبر قدر من تورتة الثورة. فعلا.. عليه العوض فى الثورة. وعلينا أن نعتذر إلى الشهداء الذين قدموا دماءهم لهذا الوطن، للتخلص من حكم مبارك ورجاله.. فيأتى مرسى وجماعته للحفاظ عليهم.