بالرغم من أن كلمة الشفافية صارت كلمة سيئة السمعة من كثرة ما تعرضت له من المرمطة على يد النظام السابق وتوابعه، فإنها هى التى تضع تجربة الدكتور مرسى على المحك مع انطلاق أولى فعاليتها بتشكيل الحكومة والمؤسسة الرئاسية. سيكون إنجازا كبيرا يستحق الاحترام أن يكون كل ترشيح لأى منصب مشفوعا بورقة حيثيات يتم تقديمها للرأى العام، حتى يكون الحكم عليها موضوعيا لا يتوقف على مجرد الراحة الشخصية والانطباعات السطحية.. الحيثيات العملية ستغلق باب الجدل مبكرا حول هذه الاختيارات وستجعلها -وأنا آسف لاستخدام التعبير- «مبررة». لا يكفى للترشيح أن تكون من رواد الشاشات كضيف دائم يحمل لقب ناشط أو محلل سياسى أو خبير استراتيجى أو هضبة أمنية، فكثيرون مهرة فى الكلام وفنون التثبيت، لكنهم بلا أى جدوى على أرض الملعب (عندك فاروق جعفر مثال فى استوديوهات التحليل كخبير عالمى، وفى أرض الملعب يقاوم مع فريق طلائع الجيش فكرة الهبوط لدورى الدرجة الثانية)، وكثيرون مصابون بالتأتأة والارتباك أمام الكاميرات، لكنهم على أرض الواقع منجم أفكار ورؤى مستقبلية (عندك الدكتور البرادعى مثلا). ولا يصح الاعتماد فى هذه المرحلة على أجندات المعدين التى تحفل بأرقام تليفونات الضيوف الذين يقضون اليوم كله فى مدينة الإنتاج الإعلامى يتنقلون من شاشة إلى شاشة مع احترامى للجميع، ويكفى أن نُذكّر الرئيس أن معظم المصريين خلال السنة ونصف السنة الماضيين كانوا يرون المصيبة كلها فى الإعلام، وهذا ليس سببه مذيعَين أو ثلاثة أو حتى عشرة، لكن سببه قائمة ثابتة من الضيوف أسهمت فى دعم الارتباك العام. أتحدث عن ضيوف البرامج، لأننى اكتشفت أن مقابلات الرئيس والترشيحات المطروحة تدور معظمها فى فلك نجوم المرحلة الذين أسهم الإعلام فقط فى صناعة نجومية معظمهم، وإن كان هذا لا ينفى وجود أسماء كانت تهب علينا من خلال الشاشات كنسمات تمنح الأمل وتنقى الذهن من كل ما يعلق به نتيجة التنقل بين المحطات طوال الليل. أريد أن نغلق باب إدارة مستقبل الوطن بالانطباعات، وأن يكون هناك كتالوج واضح ذو مواصفات محددة يتطلب خبرات بعينها وكفاءة مشروحة جيدا وخطة مرتبطة بإنجازات متوقعة محددة سلفا وأسباب الثقة فى قدرة هذا الشخص على تحقيق هذه الإنجازات. انتهى زمن الترشيحات العشوائية التى لا نعرف لها مبررا، والتى لم تُخلد فى ذاكرة الأمة بالخير عشرة اتناشر وزير أو مسؤول على بعضهم، انتهى زمن استنتاج أن فلانا حصل على المنصب كمكافأة نهاية خدمة، أو كجائزة عن مجمل أعماله، ويجب أن يتوقف قبل أن ينتهى مبدأ أن يكون الانتماء الحزبى هو مظلة الترشيح لمنصب، ولا معنى لأن تتم الترشيحات من منطلق الأشهر تليفزيونيا أو صاحب الفلوروز الأكبر على «تويتر» أو من دَفَعته الصدفة باتجاه بقعة الضوء، حتى ترشيح الشباب يحتاج إلى حيثيات واضحة أكثر من غيره، كونه يضع قدمه فى منطقة جديدة تماما عليه، ترشيح الشباب لمنصب يحتاج إلى تدقيق حتى لا نفقد هذه المكانة التى منحتها الثورة للشباب بأن يساء الاختيار، فيتم غلق باب تكرار التجربة. لن نمل من عرض حيثيات الترشيح، المهم أن تزرع فى الناس قدرا من الثقة والطمأنينة، والشعب اعتاد أن يجلس أمام التليفزيون قبل الماتش بثلاث ساعات يناقش ترشيحات التشكيل المتوقع، وانتظر لمدة ساعة أو أكثر المستشار فاروق سلطان لينتهى من قصة حياته قبل أن يقول لنا مَنْ الرئيس، وانتظر ثلاثين سنة حتى يصل إلى هذه اللحظة التى يمتلك فيها حق أن يعرف رأسه من قدميه مع كل خطوة إلى الأمام.