مبارك.. ضحية زواج المتعة! قال رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهرام.. إن مصر أصبحت تمتلك بنية تحتية رياضية متميزة في مجال كرة القدم من صرف صحي وكهرباء ومياه وشبكات للنقل.. وزيادة غرف خلع الملابس! ظل تليفزيون الفقي.. يذيع عبارة «خطاب هام للرئيس مبارك بعد قليل» لمدة 7 ساعات! 7 ساعات كاملة.. ترك أهل الهوي خلالها مضاجعهم واتجمعوا.. يا ليل في صحبة هنية.. يحدوهم الأمل في أن الرئيس سوف يتنحي.. ويغادر البلاد.. الليلة.. الليلة يا عمدة.. علي رأي سناء جميل. وانتظرت الجماهير الغفيرة في ربوع مصر.. خطاب التنحي علي أحر من الجمر.. لمدة سبع ساعات.. والرئيس لا يظهر. وفجأة ظهر الرئيس.. وقال إنه سيجري تعديلات دستورية في بعض المواد.. فاستشاط الناس غضبا.. لأن الرئيس ضحك عليهم كعادته ولم يتنح.. إلا أن رجل القوانين والموافقة وسيد قراره فتحي سرور قال إن الإصرار علي تنحي الرئيس مبارك.. لا يتفق مع المطالبة بتعديل الدستور.. وأن من الأفضل أن يبقي الرئيس في منصبه إلي أن يتم تعديل المواد التي أعلن عنها.. وإقرار التشريعات المكملة للدستور مثل قانون الانتخابات الرئاسية وقوانين مباشرة الحقوق السياسية.. إلخ. ومعني الكلام أن المطالبة بتنحي الرئيس تصطدم وتتعارض وتتنافي مع أهداف التعديل الدستوري المطلوب. وخرجت الملايين الغاضبة إلي الشوارع.. تحركها مشاعر الغضب لأن الرئيس لايزال يضحك عليها ويستخف بها.. وظلت تهتف: هو.. يمشي.. مش هانمشي! بيد أن هذه الجماهير الغفيرة لم تطرح علي نفسها السؤال البسيط.. وهو: إذا كنا قد انتظرنا إذاعة الخطاب المهم للرئيس.. لمدة سبع ساعات.. وجلسنا أمام الشاشات ننتظره إلي أن انهد حيلنا.. فما هي المدة التي سوف يستغرقها الإعلان عن تعديل المواد الدستورية؟.. ثم.. من الذي قال إننا في حاجة لتعديل الدستور؟ نحن في حاجة للإطاحة بالنظام الفاسد واقتلاعه من جذوره بالكامل علاوة علي أن الخطابات والكلمات والتصريحات التي أدلي بها الرئيس مبارك.. قبل الإعلان عن تنازله عن منصب رئيس الجمهورية.. لم تكن جديدة علينا.. ولا علي أرباب المعاشات الذين يعملون في خدمة توصيل الطلبات للمنازل! لا في الفكر.. ولا في المنطق.. ولا في التلويح بإصبع السبابة.. ولا في مواكبتها للزمن والمتغيرات التي استجدت علي الأرض.. وقلبت موازين أولوياتنا رأسا علي عقب. كلمات الرئيس المخلوع عن أنه لم يكن ينوي الترشيح لفترة رئاسية جديدة.. أو مطالبتة بتعديل مواد في الدستور، وتقديم المسئولين عن مذابح ميدان التحرير للمحاكمة.. أو الالتزام بأحكام القضاء.. أو عدم توريث نجله جمال لمنصب الرئاسة.. إلخ. كل هذا الكلام.. لم يعد له أي محل من الإعراب.. وانتهي زمنه وأوانه.. وبات أشبه بروايات ألف ليلة وليلة، وحكايات قمر الزمان والملك شهريار.. وهشام بن عبدالملك مع غلام من الأعراب.. وحكاية الحشاش مع حريم بعض الأكابر. كلام أشبه بحكايات أبي نواس مع الرشيد.. والتودد للجواري!! تصريحات الرئيس المخلوع حول وعوده بتعديلات لمواد في الدستور وزعمه بأن رحيله يعني الفوضي واستيلاء جماعات النصب والاحتيال التي ترفع شعارات «الإسلام هو الحل» علي الحكم.. الخ. كل هذا الكلام.. لا يمت لما نحن فيه بأدني صلة.. وهو أشبه بالمقال الذي نشره رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهرام في 14 نوفمبر الماضي.. وقال في استعراضه لإنجازات الرئيس المخلوع.. إن مصر أصبحت تمتلك بنية تحتية رياضية متميزة في مجال كرة القدم من صرف صحي وكهرباء ومياه وشبكات للنقل وإعادة تطوير المقصورات الرئيسية.. ومدرجات الجماهير.. وزيادة غرف خلع الملابس وتطوير أجهزة الإضاءة، وكاميرات المراقبة الثابتة والمتحركة.. وتغيير أنظمة الصوت والإذاعة الداخلية.. وتركيب شاشات عرض إلكترونية.. ومتطورة تنقل المباريات للجمهور.. وتزويد المراكز الصحفية بسبل الاتصالات الحديثة بما يؤهلها لاستضافة الأحداث الرياضية العالمية حسب المواصفات التي يطلبها الاتحاد الدولي لكرة القدم. وعلي وزن جملة الرئيس المخلوع لم أكن أنوي الترشيح لمدة رئاسية جديدة.. قال رئيس مجلس إدارة الأهرام إن الدولة «يقصد مصر» ضخت الأموال اللازمة لدعم هذا القطاع حيث بلغت تكلفة تطوير الملاعب في مصر 170 مليون جنيه.. وتكلفت القوات المسلحة بتطوير استاد «مبارك» في السويس واستاد الإنتاج الحربي بمدينة السلام.. والجيش ببرج العرب.. والذي يعد كما يقول كاتب المقال من أكبر المنشآت الرياضية العملاقة.. ليس في مصر.. وإنما في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لأنه يتسع ل 180 ألف متفرج. أي أنه لا يتسع لأعداد المتظاهرين الذين توافدوا علي ميدان التحرير بالملايين لإسقاط النظام الذي عاش في غيبوبة ولم تكن تصدر عنه سوي أصوات «التزييق». تصريحات الرئيس المخلوع قبل إعلانه التنازل عن المنصب الذي شغله لأكثر من 30 سنة.. لم تكن تعني بالنسبة للشعب المصري سوي أصوات «تزييق» لأبواب.. متهالكة متصدعة. لم تكن تحمل أي معني لسبب بسيط.. هو أن الأحداث كانت قد تجاوزتها.. بالفعل.. وأن الجماهير التي خرجت بالملايين إلي الشوارع.. كانت قد انتزعت الشرعية من النظام القديم.. وشكلت ملامح شرعية جديدة. الشعب في محافظات مصر.. كان يتحدث عن ثورة.. وعن دعوة شعبية للإطاحة بالرئيس مبارك.. في الوقت الذي يخرج فيه الرئيس ليحدثنا عن تعديلات في الدستور.. وعن محاسبة المقصرين.. وعن إصلاحات اقتصادية، وعن حزنه علي ضحايا وشهداء ميدان التحرير إلخ. ولم يتنبه الرئيس المخلوع في كل مرة.. إلي أن هذا «التزييق» الصادر عن الباب المخلع.. تردد في كل المناسبات وطوال 30 سنة.. ولم يتحقق منه شيء علي أرض الواقع.. ولم يبق في الأذان سوي أصوات «التزييق». وهو «تزييق» ينطبق عليه المثل الألماني الذي يقول إن الباب المخلع يعيش أطول. والمقصود بالباب المخلع.. هو الباب القديم العتيق.. الذي يستند فوق المفاصل الصفيحية التي تآكلت بفعل الصدأ والزمن وعدم الاستخدام.. وهي التي تصدر «التزييق» عند الفتح.. وعند الإغلاق.. في صورة تعبيرية كالتي تنشرها صحف الحكومة لتزييف الحقائق.. والمواقع.. أسوة بالانتخابات.. التي كان المهندس أحمد عز.. هو المبدع لصورها التعبيرية. والمثير في الموضوع أنه في الوقت الذي صدرت فيه أصوات «التزييق» من الباب المخلع.. خرجت علينا صحف الحكومة بأنباء عن عمليات تطهير واسعة.. شملت كبار رموز النظام ورجاله وقالت إن ثروة أحمد عز بلغت 18 مليار جنيه والمغربي 11 مليارا وجرانة 13 مليارا ورشيد محمد رشيد 12 مليارا.. واللواء حبيب العادلي ثمانية مليارات فقط. وقالت صحف الحكومة.. إن 3 وزراء سابقين طلبوا السفر وتم منعهم بأمر من شفيق.. إلخ. وهو كلام لا يمت للواقع بأدني صلة.. وينتمي لثقافة الصور التعبيرية وليس له سوي هدف واحد.. هو أن ينشغل الناس بالماضي.. ويصبح الحديث عن رجال العهد البائد.. علي كل لسان. وبمعني آخر أن ينصرف حديث الناس عن المستقبل.. وعن الإطاحة بالنظام الفاسد.. إلي ثرثرة ونميمة عن ثروات دخلت جيوب رجال السلطة المنتهية صلاحيتها.. وتحت سمع وبصر الرئيس المخلوع. هذه الثروات تراكمت في ظل زواج المتعة.. بين الثروة الطائلة والسلطة الطائشة. أريد أن أقول إنه في الوقت الذي كان الشعب المصري بكل فئاته.. يردد الهتاف من أجل المستقبل.. ومن أجل الدفاع عن النظام الجمهوري الذي حوله الرئيس المخلوع لنظام ملكي استبدادي يبقي فيه الحاكم حتي آخر لحظة في حياته ثم ينتقل من بعده وعلي أيدي البلطجية.. والمنافقين من أنصار النظام إلي الأبناء. أقول إنه في هذا الوقت.. كان نظام الرئيس المخلوع يسعي لجذب الانتباه نحو الماضي.. تحت شعارات التطهير.. وتعديل عدة مواد في الدستور تبارت صحف الحكومة في الكشف عن تحقيقات موسعة مع رموز النظام السياسي وفي مقدمتهم أحمد عز وزهير جرانة وحبيب العادلي وأحمد المغربي ورشيد محمد رشيد. وأشارت صحف الحكومة إلي أن أسماء هذه الرموز قد أدرجت في قوائم الممنوعين من السفر علي متن طائراتهم الخاصة.. وتجميد أرصدتهم وحساباتهم في البنوك.. إلخ. والطريف في هذا الموضوع أن صحف الحكومة تبارت في نشر هذه الفضائح قبل أن يعلن الرئيس مبارك تنازله عن منصبه كرئيس للجمهورية.. كي تصرف الأنظار عن الأصوات التي كانت تطالب بتنحي الرئيس.. علما بأن طرح هذه الفضائح كان في حد ذاته.. المبرر المنطقي لإسقاط أي نظام سياسي في أي بقعة علي وجه الأرض. ما نشرته صحف الحكومة حول فساد بعض الرموز.. كان دعما للأصوات التي ارتفعت تطالب بالإطاحة بالرئيس مبارك. حكايات الفساد التي نشرتها صحف الحكومة.. لم تكن في جوهرها دعما للنظام السياسي.. ووصمة بالطهارة ومكافحة الفساد.. وإنما كانت دعوة للإطاحة به.. وتقديم الرئيس مبارك للمحاكمة.. لسبب بسيط.. هو أن هذه الثروات قد تضخمت في ظل أجهزة رقابية تتبع رئاسة الجمهورية.. فقط. فمن اللافت للانتباه.. أن جميع الأجهزة الرقابية في مصر تتبع رئيس الجمهورية.. في الوقت الذي لا توجد فيه القوانين التي تحاسب كبار رموز النظام السياسي وتسألها: من أين لك هذا؟ ولا يوجد في مصر قانون.. يحاكم الوزراء. ولا يوجد في مصر قانون يحاسب رئيس الجمهورية. عرفت مصر قانون محاكمة الوزراء سنة 1958 بعد توقيع اتفاق الوحدة بين مصر وسوريا.. لمحاكمة الوزراء السوريين.. وعندما وقع الانفصال وعادت ريمة لعادتها القديمة ألغي قانون محاكمة الوزراء واختفي ولم يظهر له أي أثر.. بعد ذلك. يضاف إلي ذلك أنه في ظل الرئيس مبارك اتسعت دوائر الخروج من المحاسبة أو المساءلة.. فخرجت من دوائر المساءلة الدائرة المقربة من الرئيس.. ثم الدائرة المقربة من جمال مبارك ثم الدائرة المقربة من علاء مبارك.. ثم الدائرة المقربة من السيدة الأولي السابقة سوزان ثابت.. وبالتالي اتسعت دوائر الخروج عن القانون.. وشملت رجال الأعمال الذين جاءوا يرفعون شعار الاقتصاد الحر.. واقتصاديات السوق.. وأنه لا رقابة للحكومة علي الأسواق.. لأن هذه الرقابة تعد تدخلا في نظر آدم سميث.. وهذا لا يجوز.. لأنه حرام شرعا. وأن الحكومة ليست مسئولة عن رقابة السوق.. الذي يتوازن من تلقاء نفسه.. علاوة علي أن تدخل الحكومة في شئون السوق يعد تدخلا في شئون كبار اللصوص الذين يتحكمون في السلع المعروضة.. ويرفعون أسعارها.. ويتبرعون من بعض عائدها لأنشطة الحزب الوطني السرمدي ومؤتمراته.. ويعيدون ترميم مجلس الشوري إذا ألم به حريق ليتلف جلساته ويطيح بالصولجان الذي يحتمي اللصوص بين قاعاته وردهاته ليموتوا تحت الهدم. ويزيد من طرافة الموضوع أن رجال الأعمال من رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.. لم يدخلوا ميدان الأعمال والاستثمار والمنتجعات والطائرات الخاصة.. وجلسات الشهيق والتأوهات من أموالهم التي ورثوها عن الآباء.. وإنما هم يمارسون الأنشطة من الأموال التي اقترضوها من البنوك. بمعني أنهم يلعبون بفلوسنا.. ولا يدفعون أي ضرائب. علاوة علي أنك تلاحظ أن جميع المشروعات التي أقامها اللصوص.. لم تكن في مجملها كثيفة العمالة.. وإنما كانت تقوم في أغلبها علي الاستيراد من ناحية.. أو مشاركة الحكومة في مشروعات تخصيص الأراضي.. وإقامة المدن السكنية التي تكرس فكرة التطهير الاجتماعي. كانت مهمة الحكومة تتركز حول مشاركة رجال الأعمال المنحرفين في كل المشروعات التي تحوم حولها شبهات الفساد.. بما فيها مشروعات البنية الأساسية.. ناهيكم عن مشاركة رجال الأعمال المنحرفين في اتخاذ القرارات السياسية وإصدار التشريعات والقوانين التي تحمي مصالحهم الخاصة.. فيما كان يسمي زواج الثروة والسلطة. هو في رأينا.. لم يكن زواجا بين الثروة والسلطة.. وإنما كان زواج متعة. زواج متعة.. تجري علاقاته في الخفاء.. وفي سرية كاملة. الحكومة تستمتع.. واللصوص يفوزون في الانتخابات النزيهة بالأغلبية الساحقة. وكان حسني مبارك.. هو الضحية لهذا الزواج!