أعلن د.محمد مرسى رئيس الجمهورية، أن حزب الحرية والعدالة لن يستأثر بالنسبة الأكبر فى التشكيل الحكومى الجديد، وأنا أصدقه فى وعده، لكن أرى أن لدينا ثلاث وزارات سوف تحدد لنا معالم الطريق، ثلاثة وزراء من خلالهم تعرف بالضبط التوجهات الحقيقية للدكتور محمد مرسى، وهم الإعلام والثقافة والتعليم، إنها ثلاثة اختبارات لرئيس الجمهورية أتمنى أن يعبرها. اختيار وزير الإعلام هو تعبير مباشر عن مصر الآن كما يراها الرئيس، هل يريدها دينية أم مدنية؟ تستطيع أن ترى ملامح مصر الآنية فى فكر وزير الإعلام.. ترددت حتى الآن أسماء تعبر عن حرية وشيكة رغم تعدد المنافذ الإعلامية الخاصة، فإن ما يتمتع به الإعلام الرسمى من حرية فى الانتقاد ومساحة الرقابة على البرامج والدراما ستحدد خريطة الإعلام بجناحيه الخاص والرسمى. كل من تولى حقيبة الإعلام بعد الثورة، سواء كان بدرجة وزير أو رئيس اتحاد كان يعبِّر مباشرة عن توجهات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأول اختبار حقيقى للدكتور مرسى هو أن يقع اختياره على وزير إعلام متحرر من الانصياع لحزب الحرية والعدالة أو للتيار الدينى، وبالتأكيد ليس معاديا للثورة، حتى الآن ترددت أسماء أراها مجرد تكهنات أو أمنيات هل يريدها د.مرسى دينية أم مدنية؟ اسم وزير الإعلام القادم سوف يجيب عن هذا التساؤل، هذا هو الاختبار الأول. أما الثانى فإنه وزير الثقافة وما تعنيه هذه الكلمة من بناء يحمل عمقا هذه المرة تردد بقوة اسم محمد الصاوى وزير الثقافة الأسبق، الذى أمضى فى الوزارة فى أعقاب ثورة يناير بضعة أيام، وخرج بعدها مهزوما بعد أن تعددت المظاهرات ضده، واعتبرها الصاوى مكيدة مدبرة ممن وصفهم بأنهم فاسدون، وهدد بفضحهم وكتب على صفحات «المصرى اليوم» مزمجرا ومتوعدا كل من وقف ضده، وأكد أن لديه وثائق حصل عليها بحكم موقعه فى الوزارة، وسوف ينشرها فى الوقت المناسب، هذه التهديدات وتلك النبرة وحدها تكفى لكى تُبعده عن مقعد الوزير. خرج الصاوى من الباب فقرر أن يقفز إليهم من الشباك وأصبح هو رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشعب، وأكد أنه ليس لديه مانع أن يصبح وزيرا للثقافة.. لا أتصور أن اختيار الصاوى يصب فى صالح الثقافة التى نرنو إليها بعد الثورة. الرجل لديه ثأر قديم وواضح أنه فى الأيام القليلة التى أمضاها على الكرسى لم تكن تعنيه الثقافة، بل أن يكشف أخطاء الكبار فى الوزارة، ولا أستبعد أنه بمجرد أن يملك المفتاح مجددا سوف يضع أمامه هدفا واحدا هو التشهير بكل من تصور أنه لعب دورا فى إقصائه. للصاوى تجربة فى مشروع «ساقية الصاوى» لا يستطيع أى منصف أن يلغى دور الساقية التنويرى، ولكن أيضا لا يستطيع أى منصف أن ينسى أن الصاوى كان يتباهى بأنه يشهر قبضته الحديدية، وكثيرا ما تدخل وألغى عروض أفلام ومسرحيات وأشعارا وفنونا تشكيلية بحجة أنها متجاوزة، رغم أن هذه الأعمال خرجت فقط على السائد ولكنها لم تخرج على الآداب.. «الساقية» كنشاط موازٍ مفروض أنها تقف على يسار وزارة الثقافة وما تتردد الدولة فى عرضه أو السماح بتداوله تحتضنه الساقية.. تركيبة الصاوى الذهنية ترفض ذلك تماما، فهو لديه أحكامه المتحفظة، ولو كان الأمر بيده فإن بالتأكيد الرقابة القادمة فى عهد الصاوى ستكون رقابة متشددة دينيا! الوزارة الثالثة أو الاختبار الثالث هو وزارة التعليم، وهى بمثابة البنية التحتية للمجتمع، إنها الاحتياطى الاستراتيجى الذى يحافظ على هويتنا، ومن خلاله نستطيع مواجهة كل دعوات التطرف، الكتب الدراسية تحتاج إلى نظرة أخرى وقطاع من الأساتذة بحاجة إلى إعادة تأهيل، لأن التطرف الذى نراه فى المجتمع تحدده المدرسة والأسرة والشارع.. الثقافة التى تزرعها المدرسة تسهم فى رسم ملامح الحياة الآن وغدا. قال د.مرسى إن الأغلبية ليست من حزب العدالة والحرية فى الوزارة، وبالتأكيد سوف يصدُق فى ما قاله، ولكن المؤشر الحقيقى هو هذه الوزارات لنعرف: هل مصر التى تولد الآن من جديد ولاؤها للثورة أم للإخوان وما يمثلونه من قيود قادمة على حرية التعبير؟ هل سنتوجه إلى طريق دولة ديمقراطية حديثة أم دولة قمعية دينية؟ انتظروا بعد أيام قليلة أسماء الوزراء الثلاثة.