لدىّ إحساس أن من يغادر الحياة يظل فى البداية يتابع بدقة ما يجرى على الأرض حتى يمل ويتعود على نمط حياته، أقصد آخرته، ويكتفى بأن يطل علينا فى فترات متباعدة. سوف يكتشف حقيقة الأصدقاء أو من كان يعتقد أنهم أصدقاء فى أحيان كثيرة، يختار من يشيعونه إلى مثواه الأخير ومن يحضرون للعزاء.. إرادة الميت تنتقل إلى من يثق فيهم ويحققون رغباته، وهكذا مثلا فإن مديرة بيت وردة السيدة نجاة منعت الملحن صلاح الشرنوبى من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليها، عندما علم بالخبر هرع إلى بيتها باكيا، ولكنها حالت بينه وبين رؤية وردة، وذلك لأنه فى الأشهر الأخيرة من حياتها كان قاسيا وهو يطالبها بالاعتزال.. قناعتى أن وردة لم تكن تريد تلك النظرة. ومؤخرا نهشت المطربة ميادة الحناوى بكل ما أوتيت من قوة وعنف فى وردة، وألصقت بها اتهاما، هى أول من يعرف أنه لا أساس له من الصحة، عندما قالت إنها أبعدتها عن مصر لكى تستحوذ على أغنية «فى يوم وليلة» التى أعدها لها الموسيقار محمد عبد الوهاب.. الواقعة تعود إلى نهاية السبعينيات عندما أصدر أمن الدولة قرارا بمنع ميادة من الدخول إلى الأراضى المصرية، والحكاية هى أن الموسيقار الكبير عندما أعجبه صوت ميادة، قرر أن يحطم القاعدة التى طبقها على نفسه، فهو كما وصفه الشاعر الكبير كامل الشناوى رجل التجربة الثانية، فهو لا يلحن لمطرب إلا بعد نجاحه مع ملحنين آخرين مثل نجاة، لحن لها بعد محمود الشريف وكمال الطويل.. وعبد الحليم بعد الطويل والموجى.. وشادية بعد محمد فوزى والشريف ومنير مراد.. ووردة بعد السنباطى حتى زيجاته الثلاث كان هو الرجل الثانى واعتبر عبد الوهاب أن هذا يعد مصدر فخر، لأنه يتفوق على من سبقوه فى كلا الأمرين. ولكنه مع ميادة حطم هذه القاعدة، وكان هو الملحن الأول لها والحقيقة التى تعلمها ميادة جيدا أن وزير الداخلية الأسبق النبوى إسماعيل، كشف سر منعه لميادة عندما قال فى حوار نشر قبل 15 عاما إن عبد الوهاب هو الذى طلب منه ذلك بناء على طلب من زوجته السيدة نهلة القدسى، عندما اكتشفت أنه يطيل ساعات البروفات مع ميادة أكثر من اللازم، وأن المكالمات التليفونية تمتد لصباح اليوم التالى.. كانت ميادة فى عمر حفيدته، لكنه تعلق بها، وكان الحل هو اللجوء إلى أمن الدولة لإصدار قرار يحظر دخول ميادة إلى البلاد، وظل الأمر قائما على مدى عشرين عاما. كان لدى عبد الوهاب أغنية رائعة وهى «فى يوم وليلة» ربما سعت إليها وردة أو أن عبد الوهاب هو الذى رشحها مباشرة، إلا أن كل ذلك لا يعنى أنها شاركت فى المكيدة.. وزير الداخلية الأسبق قال بكل وضوح أمن بيت عبد الوهاب هو أمن قومى لمصر! ولم يقتصر الطعن على ميادة هذه المرة جاءت الطعنة جماعية شارك فيها عدد من المطربات مثل شيرين وآمال ماهر وأصالة وأنغام عندما قررن الهروب الجماعى من حفل تأبين وردة الذى حددت له دار الأوبرا يوم 5 يوليو القادم. عندما كانت وردة تسأل عن هذه الأصوات تسهب فى المديح، وكانت تضم أيضا صوت الراحلة ذكرى، ورغم ذلك عندما حان وقت التعبير عن الحب كان هذا هو الثمن.. بالطبع ستجد كل مطربة عشرات من الحجج التى تتيح لهن الاعتذار، سفر، تصوير، مرض مفاجئ وغيرها. هل يلغى الاحتفال؟ بالعكس ربما تصبح هذه مناسبة لكى يقدم فى احتفال وردة أصواتا جديرة بأن تحصل على فرصتها.. شاهدت المطربة كارمن سليمان الحائزة على جائزة «عرب أيدول»، وهى تغنى بإبداع فى البرنامج أغنية وردة «المستحيل».. ما رأيكم أيضا لو استمعنا إلى ريهام عبد الحكيم، وهى تؤدى «لعبة الأيام» أو «بحبك فوق ما تتصور».. أيضا لماذا لا يقدم المايسترو سليم سحاب عددا من تلميذاته فى أغنيات وردة. أشعر أن وردة تطل علينا وترى كل ذلك لكنها لا تتعجب.. الوسط الفنى يحيل كل شىء إلى ثمن مدفوع مسبقا، وعندما يصبح الوفاء هو الثمن فلن تعثر على أحد!