لم يفكر جنرالات معاشات المجلس العسكرى أبدا فى الانقلاب على حكم مبارك الفاسد والمستبد، بل كان كل هؤلاء الجنرالات موجودين فى الخدمة أو فى المعاشات، وتم استدعاؤهم فى أيام الثورة لخدمة النظام لولائهم الكامل لمبارك ونظامه، وإن كانوا غير راضين عن بعض الشخصيات القليلة التى كان لها نفوذ كبير على مبارك وابنه، ويستطيعون الحصول على التسهيلات والأراضى من خلال مبارك وابنه مثل أحمد عز والمغربى، وهنا نلاحظ أن الاثنين ومن على شاكلتهما هم الذين قدموا إلى المحاكمة، مع أن هناك الكثير من أمثالهم نهبوا البلاد، ولم يتم معهم أى شىء، ولا أحد اقترب منهم، بعضهم حص على شبه حصانة من جنرالات معاشات المجلس العسكرى، ولم يقترب منهم أحد، ونجد بعضهم يطلون علينا مرة أخرى ويخرجون ألسنتهم للناس والثورة والثوار. ونسوا ما ادعوه من أنهم كانوا ضد التوريث.. فقد كانوا على ولاء تام لمبارك، ولو نفذ مبارك مشروع التوريث لكانوا أيدوه. وقد فوجئوا بالثورة تماما مثل مبارك وعصابته، ولم يكونوا يتخيلون أن يخرج الشعب بالملايين يهتف «الشعب يريد إسقاط النظام»، والإصرار على عدم الرحيل من ميدان التحرير وميادين مصر إلا بعد رحيل مبارك ونظامه. ودعكم من حكاية أن جنرالات العسكرى حموا الثورة، فقد كان هناك تواطؤ «عظيم» مع النظام فى أيام الثورة، وما جرى فى «موقعة الجمل» نموذج لذلك. وأداروا الفترة الانتقالية بأداء فاشل، وامتلكوا سلطة التشريع ليخرجوا علينا بتشريعات وقوانين سيئة السمعة على غرار قوانين مبارك وترزيته. وأصبحت القوانين والتشريعات التى صدرت عنهم بفضل الفقيه الجنرال ممدوح شاهين والذى يستعين بترزية نظام مبارك مشكوكا فيها ومطعونا على دستوريتها. ويُحل مجلس الشعب الذى لم يقدم شيئا للثورة، وإنما سار على طريقة مجالس نظام مبارك وقد حدد دوره الاتفاقات التى أجراها المجلس العسكرى مع الإخوان، ليكون مجلس الشعب فى النهاية منزوع الدسم ولم يتحمل مسؤولياته، ولم يستطع أن يحمى الثورة بتشريعات وقوانين من أن يصدرها. وليعود التشريع مرة أخرى إلى جنرالات معاشات المجلس العسكرى، وقد تعلموا الدرس جيدا من ترزية القوانين. واستبعد جنرالات المجلس العسكرى انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة الذين وعدوا أن يسلموها فى 30 يونيو، وهم الذين أعجبتهم السلطة وبريقها ولمعانها أيضا ليصدروا مجموعة من القوانين «السرية» بليل، وينشروها فى ملاحق الجريدة الرسمية التى استخدموها بإسراف أكثر مما كان يفعله مبارك ونظامه فى قوانينه سيئة السمعة. وليبدو جنرالات المجلس العسكرى أنهم يسرقون الثورة ويشكلون مجلس قيادة الثورة من ال19 عضوا للمجلس العسكرى بعد منحهم الحصانة لإنقاذهم من الجرائم التى اقترفوها خلال العام والنصف. وبدؤوا يمنحون الشرطة العسكرية وتحرياتهم ورجال المخابرات الضبطية القضائية مع المدنية. ثم يصدرون إعلانهم الدستورى المكمل ليتحكموا فى كل شىء، ويظلوا فى السلطة للأبد، وإن ادعوا أنهم سيسلمونها للرئيس المنتخب، لكن قد نزعوا عنها دسمها قبل تسليمها، وأنهم شركاء فى كل شىء بل ولهم القرار المصيرى فى النهاية بأغلبيتهم. ومع هذا يدعون الديمقراطية، وهم ديكتاتوريون مستبدون على طريقة مبارك. وهم الآن يدشنون دولة العسكر الخالصة ويتخذون القرار رغم أنه مجلس غير منتخب، بل إن معظمهم جنرالات معاشات، فهم أصحاب اليد العليا فى جميع القرارات والقوانين، وعلى سبيل المثال يمكنهم أن يرفضوا أى قوانين تحتاج إليها حكومة الرئيس القادم، وكذلك الاعتراض على أى مادة من مواد الدستور وتحويلها إلى المحكمة الدستورية قبل إجراء الاستفتاء عليه، وكذلك الموافقة أو رفض طلب الرئيس فى التدخل لحفظ الأمن فى الشارع. لقد اغتصبوا الثورة. ويقيمون دولة العسكر بمجلس ال19 من جنرالات المعاشات، وكأنهم قيادات الثورة. يا أيها الذين فى «العسكرى»، لقد خلع الشعب مبارك وعصابته، وأنتم كنتم تحمونه، ويستطيع الشعب أن يفعل المعجزات، فاتَّعِظوا.