دخلنا فى جد انتخابات الرئاسة.. والتى تشهدها مصر لأول مرة تنافسية بين مرشحين مختلفين، كلّ يغنى على اتجاهه أو سياسته أو جمهوره أو حزبه السياسى أو جماعته الدينية أو ليلاه كما يريد.. كل ذلك بفضل الثورة وشهدائها التى خلعت ديكتاتورا مستبدا فاسدا كان طامعا فى السلطة إلى الأبد.. وكان يريد توريث حكمه لابنه من بعده. وحتى عندما أراد هذا المستبد تغيير شكل اختيار الرئيس من الاستفتاء إلى الانتخابات للضحك على الذقون، وتقديم رسالة إلى المجتمع الخارجى أنه يجرى إصلاحات ديمقراطية، أدخل تعديلات على المادة 76 فى دستور 71، وبالطبع تبرع ترزية القوانين فى إفساد المادة وتفصيلها لتنطبق على مبارك نفسه وابنه من بعده.. وتبعد أى منافسين آخرين.. ومع هذا خرج الكثير من أتباع النظام ومستفيديه بالتهليل للحاكم الفاسد المستبد، ووصفوا ما حدث بأنه فتح ديمقراطى عظيم.. فقد أصبح رئيس الجمهورية بالانتخابات وأقاموا الندوات.. وهللوا فى الفضائيات لحكمة مبارك وتفضله بأنه يجرى أول انتخابات تنافسية فى البلاد.. وللأسف هؤلاء الذين روجوا لتلك المسرحية العبثية ما زالوا على الساحة الآن ولم ينكسفوا على دمهم.. ويسيرون مع الرايجة، ومنهم مسؤولون سابقون وقانونيون وأساتذة قانون.. وصحفيون وإعلاميون.. متلونون ومفسدون للحياة السياسية. لكن الأمر الآن أصبح منافسة بين أكثر من مرشح.. وإن كانت هناك قوانين موروثة من النظام السابق، ما زالت تدار بها الحالة السياسية الآن.. وذلك بفضل السادة القانونيين الذين استعان بهم جنرالات المجلس العسكرى.. فكانوا أصحاب نظرات ضيقة.. ولم يدركوا أن هناك ثورة قامت أطاحت بنظام حكم مستبد متعفن فى الفساد والإفساد وقوانينه الظالمة ورجال عصابته وترزية قوانينه.. وأن الثورة تطالب بالتغيير الشامل لهذا الوضع المتعفن لمدة 30 عاما.. فاكتفى هؤلاء القانونيون الجدد بترقيعات دستورية كان قد وعد بها مبارك قبل خلعه، بل إنه شرع فى إجرائها لخروجه المشرف أمام الثورة عليه.. ولكن الثورة رفضته.. فإذا بالذين يديرون شؤون البلاد يعيدونها مرة أخرى وبرجال آخرين.. وما تبع ذلك من إجراءات استفتاء على تلك الترقيعات وتقسيم الناس الذين شاركوا معا فى الثورة على النظام واللعب على هذا التقسيم، لنصل فى النهاية إلى واقع مشوه ومرتبك.. وتعاملت بعض القوى وجماعات الإسلام السياسى على أنها خرجت منتصرة فى الاستفتاء على الترقيعات الدستورية.. وأنها تتكلم باسم الله وباسم الشعب أيضا.. فالشرعية أصبحت عندهم. فى نفس الوقت الذى اعتبر جنرالات المجلس العسكرى أن ذلك الاستفتاء -الذى استخدم فيه القانونيون الجدد- على شرعية إدارتهم البلاد، ولم يكتفوا بثقة الناس فيهم.. فخرجوا عن تلك الثقة وعقدوا الصفقات وعادوا إلى ممارسات النظام المخلوع واستعانوا برجاله فى كل مؤسسات الدولة بما فيها الإعلام.. ومارسوا الانتهاكات ضد الثوار.. وليسقط شهداء جدد.. ليكون دما مدفوعا من أجل الانتقال الديمقراطى.. ولولا هذا الدم الذى تم دفعه فى أحداث «محمد محمود» لما تم تحديد نهاية فترة حكم العسكر وتحديد انتخابات الرئيس وتسليم السلطة للرئيس المنتخب.. بعد أن ناوروا والتقوا وداروا وتعمدوا استخدام أدوات النظام السابق والبعد عن الشفافية فى قراراتهم واجتماعاتهم وصفقاتهم. وعلى الرغم من أن معظم المنافسين على المنصب الرئاسى أفضل بكثير من مبارك المخلوع عندما تولى الرئاسة فى عام 1981 بعد اغتيال السادات، فقد كان يتصف بالجهل والغباء السياسى الذى استمر معه حتى آخر أيامه.. فإن هؤلاء المرشحين ما زالوا يعتمدون على طريقة النظام السابق فى تعاملهم مع الناس. فلا يعقل أن يتحدث مرشح الناس ترى أنه يصرف ملايين الجنيهات فى الشارع ويدعى بعد ذلك أن دخله الشهرى هو وعائلته عشرة آلاف جنيه فقط.. وهى لا تكفى لبنزين سيارته ومصاريف منزله الفخيم فى منتجع التجمع الخامس. وآخر لا يريد أن يكشف عن أمواله إلا إذا انتخب رئيسا وهو الذى يصرف بالملايين فى حملته.. ويشكو من أسعار الدعاية والإعلان!! وبعضهم يدعى أنه كان معارضا قويا لمبارك ونظامه.. فى حين أنه لم يجرؤ على الكلام عنه فى مطبوعة كانت معروفة بعدائها لمبارك ونظامه وعصابته، خوفا من أن يحسب على هؤلاء «الأعداء» وهو الذى له مصالح مع أفراد من النظام. يا أيها المرشحون للرئاسة عيب عليكم.. الشعب يريد الشفافية والمكاشفة والوضوح فى كل شىء.. ولن يرحمكم أبدا إذا غشيتموه.