.. لم يبق سوى 75 يوما على فتح باب الترشح لانتخابات رئيس الجمهورية.. وفق ما أعلنه المجلس العسكرى أو أعضاء منه، ومع هذا لم يصدر قانون إجراءات انتخابات الرئاسة بعد، بل إن مشروع القانون الذى أعده المجلس العسكرى ومستشاروه وترزيته الجدد تمت إعادته من المحكمة الدستورية لمّا كشف قضاة «الدستورية» أنه يحتوى على نفس مواد قانون انتخابات الرئاسة لعام 2005.. فما أشبه الليلة بالبارحة! .. يذكّرنا هذا بما جرى فى 2005 عندما أعلن الرئيس المخلوع وزبانيته وترزية قوانينه إجراء انتخابات رئاسية لأول مرة، وتم تفصيل قانون جديد ينطبق على مبارك وحده أيضا، وتم تعديل المادة 76 من دستور عام 1971 فى أسوأ تعديل يجرى على أى مادة دستورية فى أى دولة فى العالم، ومع هذا خرج وقتها المنافقون والموالسون يقولون إن الرئيس «المخلوع» مبارك فعل ما لم يفعله غيره، فى أن تكون الرئاسة بالانتخاب المباشر بين أكثر من مرشح. فى الوقت نفسه الذى أجروا فيه تعديلا دستوريا سىئ السمعة، لم يكن يسمح أبدا بالترشح إلا لمبارك شخصيا، أو من يختاره. .. وللأسف الشديد أديرت حملة إعلامية كبرى للرئيس المخلوع بأنه قائد التغيير وشاركت فيها شخصيات لا تزال موجودة فى الإعلام وفى مؤسسات الدولة، تمارس الدور نفسه، لكن لصالح الذى يريد السلطة الآن. .. وقد حصل مبارك وترزيته على تحصين من المحكمة الدستورية لتعديلات قانون الرئاسة سىئ السمعة فى ظل وجود رئيس محكمة تم إسناد رئاسة لجنة انتخابات الرئاسة إليه بعد ذلك، ثم تمت مكافأته بعد ذلك فى منصب وزير العدل ويحاول أن يرد الجميل بالقضاء على حركة استقلال القضاء التى بدأت تخرج من نادى القضاة وكادت تنجح وتغير طبيعة المجتمع القضائى والمجتمع السياسى كله لكن أجهضها هذا الوزير بأجهزة النظام الفاسدة والساقطة. ونأتى اليوم بعد ثورة عظيمة قامت ضد الاستبداد والطغيان والفساد وجعلت مبارك المخلوع فى خطبته قبل الأخيرة يقول «إنه لم يكن ينتوى الترشح للرئاسة مرة أخرى» بعد أن ظل موقفه غامضا خلال السنوات الأخيرة من حكمه، وإصراره على أن يظل رئيسا مدى الحياة، وأن يرث ابنه جمال السلطة من بعده، وتم تجهيز جميع مؤسسات الدولة لذلك، وخرج بعدها إعلاميون وسياسيون -ما زالوا على الساحة حتى الآن- يطالبون شباب التحرير ويصفونهم بأبشع الأوصاف، بالعودة إلى منازلهم، «فقد حقق مبارك مطالبكم»! ونأتى اليوم لنعيد الكَرّة مرة أخرى فى انتخابات الرئاسة من خلال قانون تفصيل لصنع رئيس يرضى عنه المجلس العسكرى ومن يتحالف معه من قوى سياسية -شاركوا جميعا فى إجهاض الثورة- من خلال قانون أعرج يتيح للقائمين على السلطة تزوير إرادة المواطنين فى أول اختيار حقيقى لهم لانتخاب رئيس جمهورية، بعد أن استطاعوا خلع رئيس مستبد وفاسد، خصوصا أن قانون إجراءات انتخابات الرئيس يتضمن طريقة تصويت عجيبة وغريبة، إذ يجيز لأى مواطن التصويت فى أى لجنة فرعية على مستوى الجمهورية دون التقيد بلجنته الانتخابية الأصلية، وفق الرقم القومى. حتى ما جرى فى الانتخابات التشريعية من التصويت فى اللجان الفرعية والالتزام به وفقا للرقم القومى، لن يتم فى انتخابات الرئاسة، وهو ما يدعو إلى التصويت أكثر من مرة.. ودعكم من أن القانون يمنع، فقد جرى ذلك فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة فى عدد من الدوائر الانتخابية، حيث كان هناك فى الكشوف تكرار للأسماء، وتم التصويت وفق التكرار ولم يحدث أى شىء، ومشيت الأمور وأُعلنت النتائج، والأمور كما هى ولم يحدث أى شىء، واللجنة العليا للانتخابات التى تدّعى الإشراف القضائى الكامل وأرهبت الناس بأنه إما التصويت وإما الغرامة، لم تفعل شيئا(!!). .. فهل هناك تعمد من المجلس العسكرى لتعطيل انتخابات الرئاسة من خلال إثارة الجدل حول القانون ورفضه من المحكمة الدستورية ثم إعادته مرة أخرى؟ يعنى استهلاك وقت ليبقى المجلس العسكرى فى السلطة إلى أقصى وقت ممكن.. فضلا عن الاستعانة بالمعاشات كمرشحين للرئاسة، بعد الاتفاق معهم.. وكأن الثورة ناقصة معاشات..! .. لكن يبقى السؤال: أين السادة المرشحون المحتملون للرئاسة من هذا القانون وهذا العبث الذى يجرى؟! إذن كان الدكتور محمد البرادعى معه كل الحق فى عدم الترشح للرئاسة، فى ظل هذا الجو الفاسد والعابث!