كان أول من أمس الثلاثاء يوما عظيما فى تاريخ مصر وثورتها «العظيمة» التى أطاحت بحاكم مستبد فاسد. فقد خرج الثوار فى ميدان التحرير وميادين مصر ليستعيدوا ثورتهم.. بعد أن وضعوها «وديعة» لدى جنرالات معاشات المجلس العسكرى.. فأهدروها.. وحاولوا بكل ما يملكون إجهاضها وتشويهها.. ودخلوا فى تحالفات مع قوى سياسية إسلامية وفلولية لتقسيم مغانم الثورة. فعلوا كل شىء من أجل الالتفاف حول الثورة وتحقيق مطالبها وأهدافها.. تلك الثورة التى سقط فيها ما يقرب من ألف شهيد.. وآلاف المصابين برصاص عصابة مبارك.. ولم يتم التوصل إلى الفاعل الأصلى حتى الآن! اتهموا الثوار بتلقى أموال من الخارج واتهامات أقرب إلى الخيانة والعمالة.. وهم الذين أشادوا بشباب مصر واعتبروا الثورة ثورة الشباب.. لكنهم بعد ذلك أداروا ضهرهم إلى الشباب.. ويعودون إلى نفس القوى التى كان يستخدمها نظام مبارك وأجهزته الأمنية.. وأضافوا إليهم قوى ذات مرجعية دينية بعد أن سمحوا لهم بتأسيس أحزاب إسلامية صرفة.. وساعدوهم فى الاستحواذ على مجلسَى الشعب والشورى. تركوا رموز النظام المخلوع الذين أفسدوا الحياة السياسية فى عصر مبارك دون أى مساءلة. تركوا رجال أعمال مبارك وابنه الذين نهبوا البلاد فى أموالها وأراضيها دون أى حساب.. بل تركوهم يهربون الأموال إلى الخارج. لم يستعيدوا جنيها واحدا من الأموال المهربة. حافظوا على مؤسسات نظام مبارك كما هى برجالها. تركوا الداخلية كما هى بانفلاتها الأمنى المتعمد ولم يحاسبوا أحدا.. وهى التى كانت تحرس القهر والتعذيب الممنهج. قتلوا الثوار فى أحداث ما سبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وشارع قصر العينى وعند وزارة الداخلية والعباسية. قاموا بكشوف العذرية للفتيات بعد أن ألقوا القبض عليهن فى المظاهرات. أنتجوا برلمانا «مشلولا» «مشكوكا فى دستوريته» سار على طريقة برلمانات نظام مبارك.. ولم يفعل شيئا من أجل الثورة رغم ادعائهم أنه برلمان الثورة. فشلوا فى استعادة دور مصر إقليميا ودوليا رغم أن جميع الدول وقياداتها انبهرت بالشعب المصرى فى ثورته ضد الظلم والطغيان والاستبداد والفساد ومدت يدها للتعاون بناء على قواعد جديدة تقوم على الندية.. لا على العمالة والتبعية التى كان يسير عليها النظام المخلوع للمحافظة على كرسى الحكم وتوريثه من بعده. رفضوا حكومة إنقاذ وطنى طرحها الثوار، من أجل إدارة البلاد بعد فشل إدارة جنرالات المجلس العسكرى الذين أساؤوا إلى مصر وإلى كل فرد فى هذا الوطن لشؤون البلاد. وأُجرِيَت فى ظل إداراتهم محاكمات هزلية لقتلة الثوار.. ليحصل القتلة والمجرمون فى النهاية على البراءات الغريبة والمريبة فى ظل قضاء لم يصل إليه التطهير. وكانت محاكمة مبارك وعصابته فى الداخلية نموذجا لتلك المحاكمات.. التى مُنعت عنها الإدارة ليخرج علينا القاضى بأن القضية خلَت.. وأن المحكمة لم تطمئن.. فى نفس الوقت الذى يقول فيه إن المحكمة استنارت بشهادات كبار المسؤولين، وهو تعبير بعيد عن القضاء.. كأنه يقول إن الحكم صدر باسم كبار المسؤولين لا باسم الشعب، وهو العُرف الذى يسير عليه القضاء فى مصر.. خصوصا أن المحكمة لم تتصدر بنفسها للحصول على الأدلة وشهادة الشهود التى تُدين عمليات قتل المتظاهرين فى ظل غياب الفاعل الأصلى. ولنصل فى النهاية فى ظل هذا المناخ العبثى من الإدارة الفاشلة إلى جنرالات العسكر وعدم وجود دستور للبلاد إلى الاختيار بين مرسى الاستبن الإخوانى وشفيق العسكرى الفلولى الجاهل الذى رضى بجهله ورضى عنه جهله لإدارة المرحلة القادمة تحت لافتة «الرئيس». من أجل هذا كله خرج الثوار بالملايين فى ميادين مصر رافضين ذلك.. ويستعيدون ثورتهم ويؤكدون أن الشرعية فى الميدان. فالثورة ما زالت فى الميدان رغم أنف البرلمان والعسكر وانتخابات الإعادة. يا أيها الذين فى المجلس العسكرى.. هل فهمتم؟