نعيش فى تلك الأيام أجواء إنتخابات رئاسية هى الأولى فى تاريخ مصر بعيداً عن ما كان يسوق لنا فى السابق على أنه إنتخاب للرئيس أو إستفتاء على إستمراره لمدد أخرى، وكما هو واضح للجميع فسوف يرث ذلك الرئيس تركة مثقلة بالمشاكل وسقفا للتوقعات الشعبية يلامس عنان السماء. لكن ماذا يمكن له فعلياً أن يقدم؟ وما هو معيار النجاح الذى نقيس عليه لنقيم أدائه؟ لقد عانينا على مدار ستون عاماً من إنعدام التخطيط المَراعى لظروف الحاضر وتحديات المستقبل، كذلك إدمان الحلول المؤقتة مما أوصلنا إلى حالة من تراكم المشكلات فى كافة مناحى الحياه ، حتى تسبب تفجرها جميعا فى وجه مبارك على مدار السنوات الأخيرة بالإضافة لعوامل أخرى إلى إندلاع الثورة الشعبية المباركة فى 25يناير.
لكل مواطن مصرى قائمة مطالبه الخاصة من الرئيس القادم ، فمن مواطن هو الآولى بالرعاية فى الواقع، يرغب فى أن يرى أثر الثورة على حياته، إلى مواطن يرغب فى أن يرى وطنه يحترم مواطنيه كما يشاهد فى سفرياته بالخارج، إنتهائاً بطليعة من شباب هذا الوطن مدركون أنه لا يمكن أن تتحقق تلك المطالب السابقة من دون تأسيس نظام سياسى جديد، كفئ ونزيه وديموقراطى حتى لاتتكرر أخطاء الماضى الأليم مع ثورة يوليو، حينما تم تغليب مطالب النهضة على مطالب الديموقراطية، فلم نصل بعد ستون عاماً لا إلى هذه ولا إلى تلك.
لذلك سأحاول أن أقسم التحديات التى ستواجه الرئيس القادم إلى ثلاثة محاور، محاولا التوازن بين ماهو متاح تحقيقة بصورة واقعية وما هو ضرورى أن يتحقق.
المحور الأول والذى يمكن أن نطلق عليه محور العدالة الإجتماعية, فما من شك أنه المحور الأكثر تأثيراً فى حياه المصريين. تشير الأرقام إلى أن الفترة ما بين 2004 إلى 2009 كان بها قفزة نوعية محمودة فى مؤشرات الإقتصاد المصرى،تفائل بها الكثيرون فى أن تٌحسن من مستوى معيشتهم ، إلا أن طبيعة النظام السياسى السابق جعلت منه والمحيطين به من رجال أعمال وطبقة إجتماعية مقربة، المستفيدين الوحيدين بل المحتكرين لثمار هذا النمو، ليصل التبجح بالبعض إلى درجة القيام من دون رقيب أو حسيب بإستيراد عمال بسطاء من جنوب شرق أسيا، نكاية فى العمال المصريين نظراً لتصاعد حدة مطالباتهم بحقوقهم.
لذلك فمن الضرورى إعادة هيكلة النظام الإقتصادى المصرى، بحيث يتحول المجتمع بكافة طبقاته إلى جانى لثمار أى نمو يحدث ومٌتحمل لِأعباء أى تعثر وارد الحدوث فى حياه الدورة الإقتصادية.
كذلك هو الحال فى النظام الصحى والتعليمى من إحتياجهما إلى إعادة هيكلة شاملة على أسس مختلفة، تضمن للمواطن البسيط تأمين صحى كفئ وأدمى ، وخدمة تعليمية عصرية تمكنه من المساهمة لاحقاً فى تقدم مجتمعه بدلاً من أن يتحول إلى عبئاً عليه كما هو الحال الأن.
قد تكون فترة الأربع سنوات غير كافية لأن نصل إلى مستوى الخدمة المرغوبة، إلا أنها بالقطع كافية لوضع الأسس السليمة لنكون على أهبة الإستعداد للإنطلاق لاحقاً إلى المستويات التى سبقتنا إليها دول شبيهة كتركيا والبرازيل.
المحور الثانى وهو مرتبط بمؤسسات الدولة والتى يأتى على رأسها الجيش والشرطة والقضاء، كذلك كافة أجهزة الخدمات العامة، بحيث تصبح تلك المؤسسات والعاملون بها يتمتعون بهوية وطنية خالصة ،بعيداً عن أى أهواء أوميول إلى أى تيارات سياسية بعينها.
قد يكون مقبولاً فى إطار من تداول السلطة بطريقة إنتخابية نزيهة، أن يصل إلى قمة السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية) شخص ذو توجه أيديولوجى معين (إخوان مسلمين مثلاً)، إلا أنه ما لا يمكن قبوله أن يَستغل ذلك فى تسكين أعضاء جماعته بداخل تلك المؤسسات، فإبتعاد العاملون بتلك المؤسسات والقائمون عليها عن التعصب إلى تنظيم سياسى بعينه، لهو الضمانة الوحيدة لإستمرار أسس الدولة المصرية سليمة بعيداً عن أى صراع سياسى.
لنا فى خبر إستبعاد خمس قضاه لقيامهم بتوجيه الناخبين لإختيار مرشح معين خير نذير، لذا فتطهير مؤسسات الدولة من الفساد الذى ألم بها، مع جعل معيارى النزاهة والكفائة هما أساس الإختيار لشغل تلك المناصب، هو من أهم ما سيواجه الرئيس القادم وما يتطلبه ذلك من إصدار تشريعات وقوانين بالتعاون مع مجلس الشعب.
يضاف إلى ذلك ما تحتاجه جهات تقديم الخدمات العامة (شهر عقارى،مرور،أقسام شرطة،....إلخ) من تطوير شامل، يرفع من كفائتها ويعلى من قيمة المواطن، ليزيح عن كاهله العبئ النفسى المتمثل فى المهانة التى يلاقيها فى تعامله مع تلك الجهات.
المحور الثالث وهو المرتبط بشكل وطبيعة النظام السياسى والذى كان من الواجب أن يَتفق عليه فى الخمسة عشر شهراً الماضية،وهو ما لم يحدث لنجد أنفسنا أمام أعباء المرحلة الإنتقالية التى لم تنجز، لذلك فسيكون على الرئيس القادم بالتعاون مع مجلس الشعب والجمعية التأسيسية لوضع الدستور أن يضعوا الأسس الحاكمة للعلاقة ما بين سلطات الدولة الثلاث (تنفيذية وتشريعية وقضائية)، ليعطى للقضاء إستقلاله التام مالياً وإدارياً، كذلك ضمان مبدأ التداول السلمى للسلطة، إنتهائاً بالتوازن المطلوب ما بين سلطات الرئيس والحكومة والبرلمان، مع مراعاه طبيعة مصر من تاريخ وجغرافيا وما يفرضه ذلك علينا من أخطار.
إننا أمام فرصة لوضع أسس سليمة لدولة الحق والحرية والعدل والمساواه، بشرعية إنتخابية لأول مرة سيحصل عليها الرئيس كما حصل عليها نواب البرلمان من قبله بعدة أشهر، أو إضاعة مزيداً من الوقت كما هو الحال منذ 11فبراير إلى اليوم، الفرصة بين أيديكم، لكم حرية الإختيار, وللتاريخ حرية الحكم عليكم.