في كل مرة أزور مدينة في بلد عربي خليجي أجدني أبذل جهداً ملحوظاً للبحث عن أهل البلد. أحياناً يحالفني التوفيق وأعثر علي بعضهم وأحياناً أفشل حيث يكونون مختفين تحت ركام جحافل الهنود الذين يسدون الأفق ويملأون الفراغ ويشغلون كل حيز ممكن علي الأرض. بالطبع هذه ليست دعوة تحريضية ضد الهنود في الخليج، لكنها ملحوظة تفرض نفسها عليَّ وتدفعني للتفكير فيما يكون عليه الوضع في المستقبل لو سارت الأمور سيراً طبيعياً وظل هذا التكاثر الهندي يزداد ويضطرد. في بعض المدن لم أجد سائق سيارة غير هندي.. ولا واحد بدون أي مبالغة.. لم أركب سيارة أجرة يقودها شخص يتحدث العربية، جميعهم يفتحون الراديو علي أغانٍ تبث من محطات في مدراس ودلهي وتريفاندروم، ولم أدخل محل بقالة به يمني أو سوري أو مصري أو لبناني..كلهم هنود وباكستانيون وبنغاليون، ولم أر في الشارع رجلاً عربياً واحداً، فقط كرنفالات هندية صاخبة تملأ الشوارع والميادين ومحطات الحافلات. حتي عندما أردت شراء خط تليفون وجدت العاملين بشركة المحمول كلهم هنود، وعندما قمت بالاتصال بقسم خدمة العملاء رد عليَّ موظف هندي تفاهمت معه بصعوبة بالغة رغم أنني أجيد الإنجليزية، ولم أعرف حينها ماذا يفعل الشخص الذي لا يتحدث سوي العربية. المشكلة أن الإنجليزية التي يتحدثها الهنود الذين تعاملت معهم هي إنجليزية لا تمت للغة لندن أو نيويورك بصلة، هي لغة خاصة لا يفهمها سوي أهل الخليج ولا يمكن لشخص من خارج المنطقة أن يستوعبها.. أما الكلام العربي الهندي فحدث ولا حرج.. أربع أو خمس كلمات يتم تدويرها لتقوم بتغطية كل شئون الحياة، مع إضافة لفظ بابا وأحياناً ماما ليكتمل القاموس الهندي في بلادنا العربية!. ومع وجود دور العرض السينمائي التي تضم شاشات عديدة لا تعرض سوي الأفلام الهندية ووجود المدارس والمعاهد ودور التعليم الهندية، بالإضافة إلي آلاف المطاعم التي تفوح منها رائحة الكاري أيقنت أن بعض مدننا الزاهرة التي نتصورها مملوكة لنا نحن العرب هي في حقيقتها مدن هندية، وأدركت أن الهنود يجاملوننا ويتركوننا نتوهم أنها مدن عربية ونتصور أننا أصحابها وأنهم عليها مجرد ضيوف. هم يدعوننا لأوهامنا لأنهم يدركون ببساطة أنهم في النهاية سيرثون هذه الأرض ومن عليها وما عليها، والمسالة فقط مسألة وقت، فمن ذا الذي يستطيع اليوم أن يعيد التركيبة السكانية إلي طبيعتها ويتخلص من جانب كبير من هؤلاء. لا أظن أن دولهم النووية تسمح لكائن من كان أن يتخذ قراراً كهذا، ولا أظن أن هذا مرغوب فيه حتي بعد أن ألف الناس الحياة الناعمة التي يقوم فيها الهنود عنهم بكل الأعمال. وأخشي أن الكابوس قد يأتي إذا صادفتنا ظروف كالتي حدثت في الرواية الإنجليزية الشهيرة عندما أصبح خادم العائلة الأرستقراطية هو السيد، بعدما قذفت بهم الأمواج إلي إحدي الجزر، وكان الخادم هو الوحيد القادر علي العمل فأصبح هو شيخ الجزيرة القادر علي الصيد والقنص والطهو وإطعام الرعية. كما أخشي أن أصحو في يوم من الأيام علي صوت المذياع يعلن البيان رقم واحد وفيه أن القائد الملهم ممتاز خان أو شابور سينج أو مهراتا كابور قد نزل علي إرادة جماهير الأمة ووافق أن يتولي الحكم!.