عديد من المرشحين بدؤوا فى البحث عن مطربين للغناء لهم، وبعض المطربين حرصوا على أن يبادروا بعرض بضاعتهم الغنائية.. وليس غريبا أن يحدث ذلك، ولا هو أيضا يشكل نقيصة ما دمتَ مقتنعا.. الموسيقار سيد مكاوى عندما دخل صديقه الموسيقار كمال الطويل فى الانتخابات على قائمة «الوفد» قبل نحو 20 عاما لحّن وغنى له «انتخبوا كمال الطويل».. ومحمد عبد الوهاب فعلها فى الأربعينيات مع صديقه عبد الحميد عبد الحق باشا، وغنى له «حلّفتكم باسم الطاهرة قولوا الحق وانتخبوا عبد الحق»، وعندما شارك الكاتب الصحفى موسى صبرى فى الانتخابات النيابية بعد ثورة يوليو طلب من عبد الحليم حافظ أن يقدم له أغنية، وأجرى عبد الحليم بروفات الأغنية بتلحين بليغ حمدى، وكان المنافس لموسى واحدا من رجال الصف الثانى فى تنظيم «الضباط الأحرار»، ويبدو أن البعض حذّر عبد الحليم من مغبّة ذلك فتراجع، وأنقذت صباح الموقف، ولم ينجح موسى، وقرر الانتقام من حليم، وكان من توابع الغضب أن قدّم للساحة الفنية المطرب كمال حسنى الذى اعتقد البعض وقتها أنه سوف يزيح عبد الحليم بعيدا عن القمة، ولكن هذه قصة أخرى! شاعرنا جمال بخيت أعلن تأييده لحمدين صباحى، وكتب له قصيدة وغناها أحمد إسماعيل، والشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى لم يكتب، ولكن أعلن تأييده لصباحى.. شعبان عبد الرحيم مثلا لا يزال يواصل الغناء لعمرو موسى، معتبرا أنه هو الذى غنى له قبل 12 عاما «باحب عمرو موسى وباكره إسرائيل»، أما ابنه عصام فقد غنى لأحمد شفيق.. لا أتصور أن الأمر له علاقة باقتناع، ولكن شعبان يدرك أن موسى من ريحة مبارك، فاعتبر أنه يواصل الطريق، وبالتأكيد فإن من يفكر فى عمرو رئيسا فى جزء منه يميل إلى شفيق رئيسا، وهكذا يتولى عصام ابن شعبولاّ التعبير عن ذلك!
سبق أن أعلن علي الحجّار أنه اعتذر لعدم الغناء لأى مرشح، وسوف يكتفى بالغناء لمصر.. من المؤكد أن علي لم ينسَ غناءه فى فترة سابقة لحسنى مبارك «النسر المصرى شق السما»، وهو أعلن أكثر من مرة -بعد الثورة بالطبع- أنه لم يكن يدرى أن النسر المصرى مقصود به مبارك، واعتقد أن عبد السلام أمين كاتب الأغنية، وعمار الشريعى ملحنها، قدما النسر المصرى لأى نسر عابر فى السماء مثلما مثلا يغنون لأى دكر بط يقضى حاجته على الترعة.. ما علينا. لم يصدق كثيرون -وأنا منهم- أن الحجّار لا يعرف الفارق بين النسر ودكر البط.. ولكن لدينا عمرو دياب غنى لمبارك «واحد مننا»، والرجل لم ينكر أنه كان يقصده رغم أنه لم يذكر اسمه صراحة. أغلب المطربين غنوا لاسم مبارك، وراجِعوا أوبريتات أكتوبر التى أحالوها لزفة بلدى تتغنى به!
الغناء لمرشح رئاسة يختلف عن الغناء لرئيس.. مرشح الرئاسة لا يملك أن يوفر حماية لمن يغنى له ولا أن يُنزِل عقابا بمن يمتنع على الأقل قبل أن يصل إلى الكرسى!
أعتقد أن امتناع البعض عن الغناء للمرشحين يعبر فى جانب منه عن إحساس الفنان بأنه لا يضمن أن من غنى باسمه سوف يصل إلى الكرسى، وماذا لو تَعثّر؟ ألا يُعتبر ذلك نوعا من البغضاء ضد من وصل بالفعل إلى الكرسى؟!
ربما أجد فى هذا التفسير شيئا يرتبط بطبيعة التكوين النفسى لأغلب الوسط الفنى فى مصر، إنه الخوف على ما حققوه من نجاح، وقد يأتى رئيس جديد عصبى المزاج منتفخ الأوداج مثل عمرو موسى فيُنزِل العقابَ بالجميع.
الزمن تغير، ولا يستطيع أى رئيس قادم أن يؤذى هذا وأن يدلل ذاك دون مساءلة أو مراجعة.. لن يجازف الفنان بإعلان اسم مرشَّحه، وهذا ما يفسر لك لماذا حتى الآن 90% من الفنانين لم يعلنوا اسم المرشح، والإجابة التقليدية هى أنه لا يزال يدرس البرامج ويختار على نار هادئة.. هل بعد كل ما شاهدناه فى الفضائيات من برامج ولقاءات وإجابات ومناظرات، هل تتصور أن الفنانين بحاجة مجددا إلى قراءة برنامج!
على الفنان فى لحظات مصيرية أن يختار ويحدد موقفه، هل يغنى لنسر بحق وحقيقى أم يغنى لدكر البط إياه!