رن هاتفي المحمول وإذا بصوت أنثى رقيق .. مصرية تعيش هنا في الكويت وبمجرد أن رددت عليها سألتني : الأستاذ احمد عفيفي ؟ .. فقلت تحت أمرك .. فألقتها في وجهى كالقنبلة : انت قليل الأدب وناقص تربية . حاولت ابتلاع الصدمة وسألتها : مين حضرتك؟ .. فقالت: واحدة كنت اقرأ لك.. لكن توبة أعملها تاني.
بهدوء : أولا.. أهلا وسهلا .. ثانيا .. ليه " الدخلة " الشديدة ديه؟ قالت ولازال صوتها ناعما ورقيقا رغم سبّها : لأنك فعلا قليل الأدب قلت : يا ستي خلاص عرفت إني قليل الأدب .. بس ليه؟ قالت : المقال الأخير بتاعك .. زي الزفت قلت : أى واحد بالضبط .. انا باكتب كل يوم تقريبا؟ قالت : مقال شفيق راح شفيق جه قلت : أيوه .. ماله بقى؟ قالت : فيلم سكس إيه وهباب إيه .. وازاى تشبه اللي بيحصل في مصر بفيلم سكس .. مفيش تشبيه تاني محترم قلت : ازاى أجيب تشبيه محترم ، لحاجة مش محترمة ؟ قالت : أنا معاك اللي بيحصل في مصر ده عك زي ما بتقول .. لكن تشبيهه بأفلام السكس .. عيب. قلت : وإيه العيب في كده؟ قالت : أنا مش قادرة أتخيل ازاى جات لك الجرأة انك تكتب اللي كتبته قلت : يا بنت الحلال .. اهدي وناقشيني بعقلانية قالت : يا أستاذ انت خليت فيا عقل .. قاعد تشتم وتستخدم ألفاظ " قبيحة " ولا تراعي حرمة أحد. قلت : .. كلامك في العموم .. ضعي الكلام في سياقه واحكمي .. شوفي أنا ليه شبّهت اللي بيحصل في مصر بفيلم سكس ، وبعدين قولي اللي انت عايزاه. ردت : ليه؟ .. أديني بسألك؟ قلت : سامحيني في الكلمة .. وأسف مقدما : انت تعرفي إيه اللي بيحصل في أفلام السكس؟ قالت : عايز أقولك بداية إني أنا طبيبة .. وإنسانة محترمة جدا وعمري ما شوفت القذارة ديه .. لكني عندي فكرة طبعا عن هذه النوعية.
قلت : كويس .. أكلمك عن نفسي .. في فترة بعيدة جدا كنت من باب المعرفة وضعف النفس - ولا أقول الإيمان - تجذبني مثل هذه الأفلام .. مثلي مثل اى مراهق .. لكنني اكتشفت شيئا خطيرا.. أنها تُبث إلينا لتغييبنا عن واقعنا وننغمس في الموبقات.. شيء أخر.. أن ما كنت أشاهده لا يمت للواقع بصلة .. لا هى دي الفحولة بجد .. ولا هى دي الأنوثة بجد.. يعني مجرد تمثيل في تمثيل .
قالت ولم تدرك ما أرمي إليه: وإيه دخل ده في ده؟
قلت : ما يحدث أمامنا على الساحة السياسية في مصر لا يبعد كثيرا عما أقوله .. بمعنى.. من يريد لنا أن نراه رجلا فحلا.. ليس أبدا بهذه الفحولة ، وربما ليس رجلا من الأساس .. وهو بادعاء الفحولة يريد أن نشعر أمامه أننا أقزام.. لا نملك ما يملكه هو من مقومات .. فيبقى هو الأقوى والقادر على الحماية.
قالت وقد بدأت نبرتها الحادة تقل : آنت بتحاول تفلسف الأمور وتضعها في غير سياقها. قلت : انا أحاول ان أربط الأمور ببعضها ، وأقسو في التشبيهات ربما وصل المعنى إلى من أريد ان يصله. قالت : لو وافقتك على مفهومك .. إيه وقع ده علينا كشعب؟ قلت : اننا نفضل مغيّبين .. بنتفرج عليهم وفاكرينهم رجالة بجد .. ولمّا نحس اننا مش ممكن نبقى قدّهم .. نفش غلنا مع نفسنا .. بدل مانفش غلنا فيهم. قالت : وتفتكر كام واحد وصل له المفهوم ده؟ قلت : لو وصل لواحد بس يبقى فيه أمل قالت : انا شخصيا لم يصلني. قلت : لأنك أنثى رقيقة .. ليس أكثر . قالت : بس برضه .. انت " أوفر " اوي في تشبيهاتك قلت : رسام الكاريكاتير يبالغ جدا في رسوماته عشان المعنى يوصل قالت : انا معاك قلت : في فيلم " المذنبون " اللي كتب قصته نجيب محفوظ كانت سناء كامل امرأة جميلة مبهرة ، لكنها عاهرة .. فاتحة صدرها و" سوري .. رجلها " لكل عابر طريق .. كله قاعد ينهش في لحمها .. وبمزاجها! قالت : عايز تقول إيه؟ قلت : لو قلت لك ان سناء كامل في الفيلم يقصد بيها البلد .. تقولي نجيب محفوظ معندوش دم .. وازاى يشبّه البلد بواحدة " ... " ؟ قالت بحدة : طبعا .. ازاى .. مش ممكن نجيب محفوظ يفكر كده.
قلت : ويوسف ادريس في " الحرام " لما " عزيزة " حملت من سفاح .. برضه نقوله عيب تطلع البلد كده؟ .. وفتحية في " النداهة " لما اعتدى عليها العائد من أمريكا وبرغبتها ، وجوزها اللي هو حارس العمارة مش واخد باله .. نلوم فتحية ولا نلوم جوزها .. ولا الاتنين مع بعض؟
قالت : انت عايز تقول ان " عزيزة " هى مصر ،وكمان فتحية قلت : مش انا .. ده يوسف ادريس .. بس كل حدوتة ولها معنى مختلف عن التاني .. عزيزة في الحرام فقيرة .. والفقر يذل ويقهر .. واللي معاه يشتري ويفتري .. ويبيع .. وفتحية في زمن تاني رمت نفسها في حضن الأمريكاني وحصل اللي حصل اللي لحد دلوقتي بنعاني منه. قالت : انا ماشوفتش الفيلمين عشان أكون صادقة معاك .. لكن شوفت المذنبون وفاكراه كويس .. ومش موافقة ابدا على التشبيه المقزز ده. قلت : ممكن جدا تكون هناك مبالغة شديدة ، والتشبيه أكيد مش حيعجب ناس كتير .. إنما نجيب محفوظ عايز يقول إيه من هذا التشبيه الصادم؟ قالت : استحالة .. البلد لا يمكن تبقى بنت ليل قلت : وهى البلد دي مش انا وانت وغيرنا قالت : طبعا قلت : ولما نسكت على اللي بيحصل مش كأننا راضين بيه وعاجبنا كمان؟ قالت : انا مش قدك ومكنتش متصورة ان المكالمة ستطول إلى هذا الحد قلت : بس يارب ماتكنش ع الفاضي؟ قالت : أكيد قلت : انت جيبتي نمرتي منين؟ قالت : من واحد يعرفك قلت : عموما انا سعيد بالمكالمة رغم الشتيمة في الأول .فقالت برقة وأدب : حقيقي .. انا آسفة قلت : المهم اقتنعتي قالت : بس برضه .. انت مبالغ زيادة عن اللازم. قلت : مشرط الجراح يُدمي لكنه يشفي من داء عضال .. انت طبيبة وتعرفين أكثر .. اعجبها المثل .. وودعتني برقة وهى تقول : عموما فرصة سعيدة .. وكمان مرة.. انا آسفة.