ما حدث فى شأن العلاقات المصرية السعودية وصولا إلى أمر إغلاق السفارة فى القاهرة.. هو أمر يؤكد الإدارة الفاشلة لجنرالات معاشات المجلس العسكرى بشأن البلاد وما يتبعهم من حكومة ووزارة خارجية، فالمجلس العسكرى بجنرالاته وحكومة الجنزورى بوزرائه ووزير الخارجية بسفرائه ليسوا على مدى المسؤولية التى وضعوا أنفسهم فيها ويتشبثون بها وليكونوا واجهة مصر الثورة.. مصر الثورة التى سقط فيها دماء الآلاف من الشهداء والمصابين دفاعا عن الكرامة ضد نظام انتهك كرامة المصريين فى داخل البلاد بالاحتقار والتعذيب الممنهج ومصادرة حرية التعبير وتحويل الوطن إلى سجن كبير وإهمال المصريين فى الخارج وتركهم عُرضة لأى انتهاكات دون أى دفاع عنهم بل كانت الدولة تتبنى موقف الأنظمة الحاكمة ضد المصريين. كان كل شىء فى البلد لخدمة رجل واحد وعصابته ويعمل من أجله، فى نفس الوقت الذى كانت ينهب فيه خيرات البلد ويساعد أصدقاءه والمقربين له فى النهب ويحصل على هدايا ومِنح وعطايا من الأنظمة الحاكمة المستبدة هو وأبناؤه وأفراد عصابته التى كانت تتحكم فى البلاد مقابل التغاضى عن أمور كثيرة والتنازل عن الدور، وأصبحت كل أجهزة الدولة فى خدمة ذلك الرجل الواحد وعصابته.
وقد قامت الثورة على هذا الوضع المزرى وخرج شباب لم يكن معظمهم له فى السياسة ثائرا وطالبا للكرامة وتكاتف معه الشعب فى الثورة على الديكتاتور والطاغية المستبد وعصابته الفاسدة التى استحلت كل شىء فى هذا البلد على حساب كرامة المواطنين وحقوقهم.
وتمت الإطاحة بمبارك فى ثورة 25 يناير العظيمة.. وتخيل الشعب أن أهدافه فى إقامة دولة جديدة على وشك إقامتها بعد أن تم التخلص من مبارك ووريثه وعصابته فى الداخلية برئاسة حبيب العادلى وضباطه فى أمن الدولة وسروره فى مجلس الشعب وشريفه فى مجلس الشورى وزكريا عزمى فى الرئاسة.. وخدمة مبارك والعائلة..
وأنه آن الأوان لحلم الدولة الديمقراطية.. وآن الأوان لدولة القانون.. وآن الأوان لاستعادة كرامة المصرى وتطبيق الشعار الذى خرج يوم الإطاحة بمبارك وعصابته بشكل عفوى.. وهو «ارفع راسك فوق انت مصرى».. وبالفعل بدأت الشعوب فى العالم تنظر بانبهار إلى الشعب المصرى العظيم الذى قام بثورة عظيمة ضد ديكتاتور مستبد.. لكن الذين استلموا إدارة البلاد لم يكونوا على قدر الثقة التى منحها الشعب لهم، ولم يكونوا أنفسهم بقدر الثورة التى قامت من أجل الدولة الحديثة ودولة القانون ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية تلك قيم وأهداف الثورة، وأتوا بحكومة لم تكن أيضا على قدر الثورة وقيمها وأهدافها.
فاحتفظوا بنفس القيم والمبادئ بل والشخصيات التى اتصف بها نظام مبارك الفاسد، نفس الشخصيات التى كانت تعمل خادمة لنظام مبارك من أجل انتهاكات حقوق المواطن فى الداخل والخارج، لم يستطيعوا الحفاظ على استعادة الثورة لدور مصر الإقليمى والدولى الذى كان واضحا فى الأيام الأولى من الثورة، وتأثر الدول القريبة بالثورة وخروج شعوبها للثورة على الاستبداد، حتى فى دول العالم خرج شعوبها متماثلين للثورة المصرية من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية.
وعملوا على إجهاض الثورة وتحالفوا مع قوى كانت تنظيمات سرية ومع أحزاب كان يعمل رؤساؤها فى خدمة النظام وأجهزته الأمنية بحثا عن مصالح خاصة فإذا بهم جميعا يتصدرون المشهد السياسى مع جنرالات معاشات المجلس العسكرى لتكون النتيجة النهائية إجهاض الثورة وما له من تأثير على الثورات العربية الأخرى.. وهو ما كانت تريده الأنظمة المستبدة التى كانت تستخدم نظام مبارك لحسابها والذى تحول بمرور الوقت إلى دور السمسار «!!» فلا السادة جنرالات المجلس العسكرى تعلموا من الثورة شيئا رغم ادعائهم أنهم حموا الثورة، ولا السادة فى أى حكومة بعد الثورة تعلموا كيف يكونوا على قدر الثورة وأهدافها وقيمها، ولا الخارجية المصرية وصلتها الثورة من الأساس، فمازال كوادرها وسفراؤها الكبار فى معظم العواصم من الذين كانوا فى خدمة مبارك وعائلته ووريثه.
فبالطبع يفشلون فى إدارة صراع الكرامة التى ينشدها المصريون فى التعامل معهم فى الداخل أو الخارج، ومن ثم كان واضحا الفشل العظيم فى إدارة المشكلة مع السعودية منذ الثورة.. وطالب المصريين بتعامل جديد مع المحتجزين هناك وبشكل إنسانى وقانونى، ووصل الأمر فى ذروته إلى قضية المحامى الشاب أحمد الجيزاوى.
وفى نفس الو قت الذى كان فيه أداء السفير السعودى فى القاهرة أحمد القطان أقرب إلى الأداء المصرى فى اللف والدوران وعدم الشفافية فى القضايا والذى كان واضحا فى تصريحاته المتضاربة فهو يتحمل جزءا كبيرا من الأزمة مع الخارجية المصرية!
يا أيها الذين تديرون شؤون البلاد.. هناك ثورة قامت من أجل كرامة المصريين.