أصبح واضحا الآن أن الرئيس السابق حسنى مبارك أهدر دور مصر كما أهدر المال العام بصفقاته الفاسدة مع أصدقائه وأفراد عصابته الذين سعوا فى الأرض فسادا.. ولم يكن يهمهم لا مصر ولا مستقبلها ولا أجيالها القادمة. كان كل همه الإمساك بالسلطة والبقاء فى الحكم حتى آخر نفس ولا مانع بعد ذلك من أن يرث ابنه جمال الحكم فأهمل دور مصر عربيا وإقليميا ودوليا.. واستخدم ما تبقى من ذلك فى مساعدته شخصيا على البقاء فى الحكم مقدما خدمات مجانية للغرب وإسرائيل فى مقابل ذلك فى نفس الوقت الحصول على المساعدة من أجل مشروع التوريث. ورغم أن مبارك كان أكثر الرؤساء فى العالم سفرا إلى الخارج حتى إنه لم يكن يمر شهر إلا كان قد سافر مرة أو اثنتين إلى دول العالم، ولم يكن ذلك من أجل البلد ولكن من أجل شخصه ومشروعه الخاص حتى تخيل البعض أن يحصل على بدلات سفر لكثرة سفرياته.. وليس هذا ببعيد فها هو ذا زكريا عزمى رئيس ديوانه والرجل الملاصق له دائما يعترف فى التحقيقات بأن بعضا من أمواله كان من بدلات السفر.. فأى بدل سفر كان يحصل عليه وهو على طائرة الرئاسة ويحظى فى الوقت نفسه بكل خدمات الضيافة على حساب الدولة أو على حساب الدولة المضيفة؟ غير الهدايا التى كان يحرص على اكتنازها من كل سفرياته وخصوصا من الملوك والأمراء العرب.. وهو ذا يعترف بذلك دون خجل من أن جزءا من أمواله كان من تلك الهدايا. ومع هذا تراجع الدور المصرى ولم يعد له تأثير حتى على مستوى المصالح الخاصة بالبلد ولعل ما حدث مع دول إفريقيا وخصوصا دول حوض النيل يوضح كيف كان الرئيس المخلوع يتعامل مع هذه الدول.. فما كان منها إلا أن اتخذت موقفا حادا تجاه قضية النيل ولم تعد تعمل لمصر حسابا كما كان فى السابق. لكن هل حدث تغيير فى هذا الموقف بعد خلع مبارك بفعل ثورة 25 يناير العظيمة؟ بالطبع حدث تغيير وبدت مصر كأنها تستعيد دورها ومكانتها وأبدت دول العالم الاهتمام بمصر وبشعبها الذى قام بثورة عظيمة ألهمت شعوب العالم.. وأوضحت المعدن الأصيل للشعب الذى أصر على سلمية الثورة فى مواجهة قوى استبدادية طاغية. وألهمت تلك الثورة العظيمة شعوبا عربية للخروج على أنظمتها الاستبدادية مطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية.. لقد خرج الشعب اليمنى فى أثناء الثورة المصرية ضد استبداد على عبد الله صالح.. ولا يزال يناضل من أجل الانتصار على الطاغية. وخرج الشعب الليبى فى 15 فبراير قبل يومين من الدعوة إلى التظاهر بعد أيام من ثورة 25 يناير مستلهما الانتصار العظيم الذى حققه جاره الشعب المصرى فى التخلص من الاستبداد.. وخرج الشعب السورى ضد استبداد الأسد وعائلته، ورغم جرائمه وقتاله للشعب بدباباته ومدرعاته وبالشبيحة. وفقد شرعيته أمام العالم كله.. ولكن أين مصر الثورة من ذلك؟! أين الدور المصرى الذى بدا أن الثورة استعادته؟! فقد جاء الموقف المصرى من الاعتراف بالمجلس الانتقالى الليبى متأخرا رغم أن هناك مساعدات مصرية قُدمت إلى ليبيا الثورة غير معلنة.. كما أن الموقف من الثورة اليمنية والسورية حتى الآن غير واضح. ولا يمكن أبدا أن تكون مصر الثورة وفى إطار استعادة دورها فى المنطقة يلتبسها ويلبسها حالة من الصمت الغامض.. لمشاركة الثورة الليبية انتصارها كما فعل بعض القيادات الغربية. ألم يكن من الواجب أن نذهب إلى هناك بتمثيل كبير حتى لو كان ذلك بشكل براجماتى؟ فليبيا هى عمق استراتيجى لمصر ويمكن بناء تعاون اقتصادى مثمر فى ظل دولتين جديدتين تسعيان إلى بناء دولة حديثة. فضلا عن الدور الباهت على المستوى الدولى من قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية والحالة التى بدا عليها ترحيب دول الأممالمتحدة بخطاب أبو مازن وتقديمه طلبا بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، فلم نر أن مسؤولا مصريا -وهنا أتكلم عن مسؤول فى المجلس العسكرى أو على الأقل رئيس الحكومة- يذهب إلى ليبيا على سبيل المثال. لقد جاء إلى مصر عقب الثورة مباشرة كثير من قيادات العالم بعدما بهرهم الشعب المصرى بثورته العظيمة ومدوا يد العون للإسهام فى بناء الدولة الحديثة. وجاء أردوجان بالتجربة التركية.. باحثا عن تعاون استراتيجى مع مصر الثورة لتقديره مصر ودورها وبشرها وتاريخها وجغرافيتها. ولكن الذين يديرون شؤون البلاد ما زالوا مغيبين عن ذلك.. وأمامهم فرصة كبيرة لاستعادة الدور.. وأخشى أن يضيع بتباطئهم وتلكئهم. ولعله من الأفضل الآن أن تجرى الانتخابات لننتقل إلى مرحلة انتقالية جديدة نستطيع فيها أن نتدبر أمورنا ونستعيد دورنا بشكل فعال