مبارك اعتبر أن اختياره نائبا للرئيس أسعد يوم فى حياته.. رغم أن السادات كان يعتبره بطىء الفهم ويتعمد إهانته. الرئيس السابق يتحدث عن أن زوجته طلبت منه الطلاق عدة مرات قبل وصوله إلى الرئاسة.. وعندما أصبحت سيدة مصر الأولى لم يكن لديها استعداد للتخلى عن اللقب قبل سنوات صدر كتاب بعنوان «مذكرات رجل غير مشهور» يؤكد فيه مؤلفه حقيقة العنوان -أى أنه رجل غير مهم فعلا- لكنه مع ذلك وجد فى حياته ما يستحق أن يسرده وأن يحكيه لعل شخصا ما تتشابه ظروفه معه أو حتى لا تتشابه لكنه يجد بين الصفحات والسطور ما يمكن أن يفيده فى ما بعد.. فما بالنا إذن بمذكرات رجل مشهور ظل فى السلطة لما يقرب من 35 عاما -نائبا ورئيسا- هو محمد حسنى مبارك؟ السؤال عن مذكرات الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، إذا كان واردا قبل تنحيه عن الحكم فإنه يصبح فرض عين عقب كل هذه الأحداث التى وقعت فى مصر منذ يوم 25 يناير فى العام الماضى وحتى يومنا هذا، بما يحمل من تفاصيل وأسرار هذه الأيام الحرجة وما قبلها من سنوات طويلة منذ صعود مبارك إلى السلطة عام 1975 عندما أصبح نائبا للرئيس الراحل أنور السادات. لو ثبتت صحة مذكرات مبارك التى نشرتها جريدة «روز اليوسف» على حلقات سيكون مبارك هو رابع رئيس مصرى يكتب مذكراته، ف«محمد نجيب» الرئيس الأول لمصر بعد إعلان الجمهورية كتب مذكراته ثلاث مرات: الأولى بعنوان «قدر مصر فى بدايات الثورة» وكتبها له صحفى أمريكى باللغة الإنجليزية ثم تُرجمت بعد ذلك بعدة سنوات، ثم مذكراته التى كتبها الكاتب الصحفى أحمد حمروش عام 1974، وأخيرا مذكراته الأشهر التى صدرت بعنوان «كنت رئيسا لمصر» وكتبها له الكاتب الصحفى عادل حمودة. أما الرئيس السادات فصدرت له مذكراته هو الآخر فى كتابه ذائع الصيت «البحث عن الذات» وهو الكتاب الذى كتبه الراحل د.رشاد رشدى استنادا إلى حوارات وتفريغات لشرائط كاسيت سجلها الرئيس السادات نفسه. وإذا كان الرئيس جمال عبد الناصر لم يرصد مذكراته، مخالفا فى ذلك من سبقه ومن تلاه، فقد كتب «فلسفة الثورة» ذلك الكتيب صغير الحجم الذى يروى باختصار قصة تكوين الضباط الأحرار وسعيهم نحو تنفيذ مشروعهم بالثورة على الملك، وهى تلك الفترة المهمة فى حياة عبد الناصر بكل تأكيد، ليكون السؤال المهم الآن هو: ما درجة صدقية مذكرات مبارك هذه؟ المذكرات المنسوبة إلى مبارك تتحدث عن أنه كان يشعر بالفقر عندما كان طفلا صغيرا بسبب كثرة عدد أشقائه وراتب والده الضئيل الموظف بالمحكمة النقلة النوعية فى حياة مبارك بدأت بدخوله الكلية الحربية مما أدى إلى تحسن أحواله المادية ثلاثون عاما (1981-2011) قضاها محمد حسنى مبارك رئيسا يحكم مصر. مصر أم الدنيا والتاريخ. ثلاثون عاما شهدت فيها البلاد والعباد العجب العجاب، وعاش أهل مصر حقبة تاريخية غير مسبوقة من حكم السيد الرئيس (المخلوع)، يمكن أن تسجل بحروف مكللة بالخزى والعار تضعه وبجدارة جنبا إلى جنب مع أسوأ الحكام الذين حكموا مصر أو مروا عليها طوال تاريخها العامر المجيد. محمد حسنى مبارك، الذى أجمعت الشواهد والأدلة على أنه كان خاليا من المواهب محدود التفكير، والذى كان يبلغ من العمر حينما تولى حكم مصر 53 عاما، وجد نفسه فجأة يحكم مصر بعد اغتيال الرئيس السادات، وظل يحكمها ثلاثة عقود متتالية، حتى تم خلعه (وعمره 83 سنة) بثورة شعبية عارمة، كان هدفها الأول بالإجماع هو إسقاط النظام (وهو ما لم يكتمل بعد)، و«الشعب يريد إسقاط الرئيس»، وهو ما حدث بخلعه، ثم تقديمه إلى المحاكمة التى لم يسدل الستار عليها فى فصل دراماتيكى أخير، لم نشهده بعد! هذا الرجل الذى سيحكم له التاريخ أو عليه -من العبارات الشهيرة التى رددها فى خطابه الثانى مساء الثلاثاء 1 فبراير، ليلة موقعة الجمل، مسمار النعش الأخير لنظام مبارك- وحسب ما جاء فى خطابه الذى أُعد له ليلقيه على «أبناء الأمة» بطريقته التمثيلية الثقيلة وأدائه الآلى الرتيب الخالى من الانفعالات. الملامح المحايدة التى لا تدرى إن كانت هكذا على الحقيقة أو تخفى وراءها شيئا مذكورا.. الطريقة التى كانت متقنة فى سنوات حكمه الأولى، ثم أصبحت فجة وظاهرة العوار للمتابع الحصيف، هذا الرجل سيكون محورا لمئة عام قادمة على الأقل، إن لم يزد على مئات بل آلاف الكتب والدراسات وسيهدر الكثير والكثير من الحبر والورق فى تسويد الصفحات عنه، حقيقة كانت أو اختلاقا وفبركة، خصوصا فى الأيام بل الشهور وربما الأعوام التى تلت خلعه مباشرة، وسنسمع كثيرا عن موضوعات على شاكلة: «الأيام الأخيرة فى حكم مبارك»، و«أسرار القصر الرئاسى تحت حكم مبارك»، و«مبارك.. حياته وأسراره».. إلخ. تلك العناوين التى حفظناها عن ظهر قلب من باب الإثارة ومخاطبة شرائح من القراء والجمهور، تستهويهم مثل هذه النوعية من الموضوعات التى تحفل بكل ما هو غريب وعجيب ويدخل فى باب الأساطير!
لكن من منا على اختلاف وتباين مستوياتنا الثقافية والفكرية والاجتماعية، لن تستلفته هذه العبارة، لن يقف أمام (مذكرات مبارك)، مجرد ذكر هذا التركيب الإضافى المكون من كلمتى «مذكرات ومبارك»، له جاذبية خاصة ويحمل أطنانا من الفضول والشغف القاتل لمعرفة ما هى (مذكرات مبارك).. مبارك له مذكرات؟ ماذا قال فيها؟ وعمن تحدث؟ وهل ذكر الحقيقة أم شأنه شأن كثير ممن يظنون أنفسهم زعماء وأبطال يجعلون التاريخ والدنيا تدور حول فلكهم وذواتهم ويطمسون كل الحقائق عدا ما يريدون إبرازه لحسابهم فقط؟
مبارك المخلوع الذى كان على رأس سلطة لم تشهدها مصر من العنفوان والتجبر والاستبداد والبغى والنهب المنظم والسلب غير المنظم، يكتب مذكراته، ليس فقط يكتبها بل قام الزميل توحيد مجدى فى صحيفة «روزاليوسف» بنشر حلقات من هذه المذكرات -التى وصفتها الزميلة «روزاليوسف» بأنها انفراد عالمى- أثارت بكل تأكيد جدلا واسعا لمن قرأها وتابعها أو لمن سمع بها.. لمن يعلم يقينا أنها مختلقة وكاذبة ولا تمت بصلة إلى الرئيس المخلوع من قريب أو بعيد أو لمن اعتقد أو ظن أو تصور بعلم أو بغير علم أنها مذكرات مبارك يسرد فيها تفاصيل خفية عن حياته وفترة حكمه وعلاقته بمحيطه ومرؤوسيه وذوى النفوذ فى حياته.. إلخ.
على مدار 17 حلقة، تحت عنوان «مذكرات مبارك»، قامت جريدة «روزاليوسف» بنشرها، قائلة إنها مذكرات مبارك التى سجلها لحساب دار نشر بريطانية تسمى «كانون جيت»، مقابل 10 ملايين دولار، حكى فيها سيرة حياته وتحولاته الكبرى فى رحلته منذ كان طفلا صغيرا نشأ فى إحدى الأسر الفقيرة بقرية صغيرة فى محافظة المنوفية، وحتى خلعه من حكم مصر بثورة شعبية فى 25 يناير 2011 م.
وبدأت هذه الحلقات باستعراض حياة مبارك منذ كان طفلا صغيرا وشعوره بالفقر، حسب ما جاء فى هذه المذكرات المنسوبة إليه، لكثرة عدد أشقائه وراتب والده الضئيل الموظف فى المحكمة.
وجاء فيها أيضا أن النقلة النوعية فى حياته بدأت بدخوله الكلية الجوية فى عام 1949، (هكذا!! ومما هو معلوم أن مبارك خريج الكلية الحربية ثم التحق بكلية الطيران بعد ذلك، أى أنه لم يتخرج مباشرة فى الكلية الجوية، بل كان فى الأصل متخرجا ضابطا مقاتلا فى الكلية الحربية)، مما أدى إلى تحسن أحواله المادية نسبيا، وأنه كان يرتدى البذلة العسكرية باستمرار لعدم قدرته على شراء ملابس جديدة، وعندما اكتشف ذلك زملاؤه راحوا يعايرونه بفقره. ومما جاء أيضا منسوبا إلى مبارك فى هذه المذكرات أنه كان يتطلع إلى اليوم الذى يودع فيه الفقر وينتقل فى السلم الاجتماعى إلى طبقة أعلى، وأن سوزان ثابت كانت قائدته فى كثير من محطات الحياة، وطلبت منه الطلاق كثيرا قبل وصوله إلى الرئاسة، ولكن عندما أصبحت سيدة مصر الأولى عندما جاء مبارك رئيسا لم يكن لديها استعداد للتخلى عن اللقب بأى ثمن. ويروى من كتب هذه المذكرات أن الرئيس السادات كانت يتعمد إهانته باستمرار، وكان يعتبره بطىء الفهم، رغم اختياره نائبا له، معتبرا أن ذلك اليوم هو أسعد أيام حياته على الإطلاق، وأن ما تواتر من أنباء عن اعتزام السادات إقالته فى أواخر عام 1981، إلا أن القدر لم يمهله بسبب اغتياله فى حادثة المنصة الشهير. اللافت للنظر فى هذه المذكرات المكتوبة نقلا عن تسجيل صوتى لمبارك، كما ذكرت الصحيفة، وهى بالقطع منسوبة وليست مذكرات أصيلة موثقة، أنها كتبت وكما هو واضح من صياغتها وأسلوبها بنمط من أنماط الصحافة القديمة التى تلعب على وتر الفضول والإثارة وملء فجوات الخيال الشعبى، خصوصا فى أوساط البسطاء أو ذوى التعليم المحدود والثقافة البسيطة. فمصر من البلدان التى تميل شعوبها خصوصا الجماهير البسيطة منها إلى متابعة حكاية أو سيرة أو مسلسل فى حلقات متتابعة، والانطلاق من نقطة معينة وهى (ماذا بعد؟).. الأساس فى عملية متابعتها هو انتظار (وماذا بعد؟) وليس: من أين جاءت؟ ومن يقول أو يحكى؟ وكيف يحكى؟ وهل هو صادق أم كاذب؟.. إلخ. تلك التساؤلات المدققة الفاحصة المتسائلة التى تهم مجموعات قرائية محددة ذات ثقافة من مستوى معين. أما عموم المصريين فلا يعنيهم إن كان ما يتابعونه حقيقة أم خيالا؟ وهما أم واقعا أصيلا موثقا صادرا عن صاحبه أم منسوبا إليه ادعاء لا على الحقيقة؟
وعلى كل، فكل ما يهم المصرى البسيط أن يقرأ ما يشوقه ويثير فضوله ويملأ الفجوات فى خياله عن شخصية كانت تحكمه طوال ثلاثين عاما، كانت تمثل بالنسبة إليه رأس السلطة ومفتاح القوة فى هذا البلد الزاخر بالمآسى والأحزان!