مرت الأيام الأولى من شهر أبريل دون كذبة.. تعوَّدنا فى كل سنة أن تُطلق واحدة يصدقها الناس، وبعد ذلك تبدأ مرحلة تكذيب الكذبة. فى العام الماضى قالوا إن عادل إمام يستعد لأداء دور مبارك فى فيلم يتناول حياته، وأكدوا أن الفيلم ينصف مبارك، وبعد بضعة أيام اضطر عادل إلى التكذيب، كما أن جريدة «عين» التى أطلقت التشنيعة أكدت أنها نوهت إلى أنها كذبة، ولكن النَّهم الصحفى كان هو الدافع، لكى يلهث الزملاء وراء السبق أو ما اعتقدوا أنه سبق.. قبل عامين تورطت بعض الصحف والبرامج وصدقت كذبة أبريل التى شاركت فيها صباح مع كوافيرها الخاص جوزيف غريب، وأعلنا فيها زواج صباح للمرة التاسعة أو العاشرة -لم أحص العدد على وجه الدقة. تورط الصحافة والتليفزيونات العربية أسهم فى ذيوع الخبر وانتشاره وبالتالى نجاح اللعبة، حيث رددوا كلمات الزوج أقصد الكوافير الذى صرح، قائلا «صبوحة هى حياتى من يقترب منها مقتول مقتول».. كما أن صباح أفاضت فى البوح بتأجج مشاعرها، وهى تقول «لأول مرة فى حياتى أرتدى فستان الفرح الأبيض»، وهى تتغزل فى عواطف جوزيف الملتهبة التى ملأت عليها الدنيا.. ثم اكتشفنا أن صباح وجوزيف بالاشتراك مع طونى خليفة المذيع اللبنانى الشهير كانوا يلعبون لعبة «عريس وعروسة»، وأن هذه مجرد دعاية لمجلة فنية يرأس تحريرها طونى.. إنها لعبة قد تحبها أو ترفضها، قد تراها سخيفة أو تضحك لها ومنها وعليها.. أنا شخصيا ضحكت مع صباح وشعرت بأن الشحرورة وهى تقترب من التسعين لا تزال تعيش الحياة.. إن تمتع الإنسان بروح الدعابة هو أحد مظاهر الصحة النفسية، والصبّوحة لا تزال لديها هذه الروح. أشهر كذبة أبريل فى الوسط الفنى، التى لا يزال يتذكرها البعض، هى تلك التى أطلقها الصحفى الراحل نبيل عصمت فى عام 75، قبل رحيل عبد الحليم بعامين على صفحات جريدة «الأخبار»، وفى بداية تألق هانى شاكر، حيث كتب نبيل أن عبد الحليم سوف يكشف أن هانى شاكر يضع زمارة فى حنجرته تجعله يقترب فى الأداء من تقليده، وأنه سوف يفضح كل ذلك فى جلسة علنية تُعقد فى معهد الموسيقى العربية الذى يقع على بُعد خطوات قليلة من جريدة «الأخبار»، وجاء المساء وذهب الجمهور بالمئات إلى المعهد فاكتشفوا الخديعة.. كان نبيل عصمت قد كتب فى أعلى الصفحة إشارة يقول فيها «اليوم أول أبريل لا تصدق كل ما يقال لك فى هذا اليوم»، ولكن صدق الناس زمارة هانى شاكر. ولم تكن كذبة مجانية بل كان المقصود من ترويجها تلميع هانى شاكر وإظهار خوف عبد الحليم فى بداية نجومية هانى. ومن بين الأكاذيب أيضا تلك التى أطلقها الثنائى «أبو لمعة الأصلى» مع الخواجة «بيجو» فى إذاعة صوت العرب خلال منتصف الستينيات، حيث أذاعا أن يوم القيامة غدا وصدق الناس الخواجة وأبو لمعة رغم أنهما مشهوران بالكذب. الناس تعشق الكذب، تبحث عن الكذبة التى لها مذاق الحقيقة، لأنهم يجدون فيها ملاذًا لهم يصدقونها فهى تعبر أحيانا عن شىء يتمنون حدوثه. لماذا لم نردد هذه الأيام أى كذبة جديدة؟ لأننا نعيش فى الحقيقة مجموعة من الحقائق التى تتفوق على أى كذبة من الممكن اختراعها، الكذب نوع من الخيال سواء اعتبرتها كذبة بيضاء أو صفراء أو حتى سوداء تظل جزءا من التعامل اليومى. لا أحد يستطيع أن يقول وهو مرتاح الضمير أنه لم يكذب يوما فى حياته.. جزء كبير من الفنانين يتعاملون مع الكذب، باعتباره أحد أسلحة الدفاع عن بقائهم فى مركز متقدم على الخريطة الفنية. مثلا، كثيرا ما يبالغون فى إيرادات أفلامهم، لا أحد يعترف أن فيلمه الأخير حقق إيرادات أقل من فيلمه السابق، دائما ما يعلنون أن المؤشر فى صعود ويبالغون فى أجورهم التى يتقاضونها، إلا أنهم أمام الضرائب بالطبع يخسفون بهذه الأرقام الأرض. الكذب جزء من الرتوش التى يعتقد البعض أنها تزيِّن الصورة حتى تبدو أحلى. الكذبة التى نراها الآن هى أن التيار الإسلامى بجناحيه السلفى والإخوانى يسيطر على الدولة رغمًا عن أنف العسكريين، وأن الشعار أصبح «الدين لله واللحية للجميع»، والحقيقة غير المعلنة هى أن «الكاكى» صار للجميع!