حتى البهايم لم تعد قادرة على التعايش مع بشر غير قادرين على إعطاء الأمل فرصة كاملة، البهايم أصيبت بطول مصر وعرضها بالحمى القلاعية وأصبحت «تقلع» صمتها وتخرج من جلدها وتتأمل أحوال البعض، فتسيل الريالة من جوانب فمها حسرة ودهشة، ولو طالت أن تضرب كفا بكف مستغفرةً لفعلتها، لكنها أمام تصرف من هذا النوع سلبته منها الطبيعة لا تمتلك إلا الترييل موتًا. البهايم يؤسفها هذا الهدر الذى يفسد فرصة حقيقية لدخول التاريخ من أوسع أبوابه تحت شعار «الباب اللى ييجى لك منه التاريخ سده واستريح»، الحرية التى تأتى بنتيجة عكسية فتضع على رأس الأمة كل من هبّ ودبّ، لا مجال للمفكرين، ولكن هناك مجال واسع للإرهابيين التائبين، لا مجال لمن أفنوا عمرهم نضالا فى ملاعب السياسة، لكن المجال مفتوح لأئمة المساجد وعلى رأسهم نائب الأنف والأذن والحنجرة. البهايم لا تفهم الحرية التى تجعل محفظ قرآن يتخلى عن مهمته فجأة ويرتدى الجينز بلا أى خلفية سياسية ليتصدر مشهد النضال وهو الذى لم يظهر فى أى ركن من أركانه على مدى سنوات عمره. البهايم لا تفهم سعى الأحزاب للتكاثر داخل البرلمان بأناس أقصى طموح سياسى لهم رفع الأذان داخل البرلمان ومقاومة تدريس اللغة الإنجليزية وتشويه الثوار والتصدى للمواقع الإباحية، دون أن يرتبط هذا بطموح سياسى يخفف على الناس آلامهم الاقتصادية والنفسية. البهايم ملّت أن يكون العمل السياسى مقره حيثما كانت كاميرات التليفزيون داخلى وخارجى مختزلا الوطن فى حدود شاشة إل سى دى. البهايم لا تفهم كيف يتفانى البعض فى استعادة أسوأ ما فى النظام السابق. البهايم لا تفهم أن هناك بشرا تشغلهم محاربة كل ما هو ثورى حتى لو كان هذا على حساب المصلحة العامة والحق ومستقبل الأجيال القادمة. البهايم لا ترتاح لطائفة يسبق اسمها حرف «الدال» يتبارون فى الردح ولا أجدع مواطن هرب من الدراسة قبل أن يبدأها أصلا. البهايم لا تفهم كيف يوجد بشر يطاوعهم قلبهم على وأد الثورة حية لأنهم لا ينظرون إلا تحت أقدامهم ولا يهتمون إلا باستمرار الطريقة التى كانت تكفل لهم عيشهم فى ظل نظام سابق حتى ولو اضطروا إلى إجراء عملية تجميل صغيرة فى طريقتهم لتصبح ذات ملامح ثورية تساير الموضة. البهايم لا تفهم كيف يوجد بشر يمتلكون من البجاحة ما يجعلهم ينسبون شرفا عظيما مثل الثورة إلى آخرين غير الشباب المصرى الذى ضحى بأرواحه وعيونه وأصبحت شظايا الخرطوش تسرى فى جسده مسرى الدم. البهايم لا تفهم عدم قدرة البشر على فهم السبب وراء تدهور الأحوال ويغضون الفهم عن حقيقة الوضع من أجل مصالح ضيقة وطموحات مشبوهة. البهايم لا تفهم بشرا يتحدُّون فطرتهم ويصيبهم حَوَل إرادى عند تقييم ما يرونه، البهايم لا تفهم راحة كثيرين لمرايا السيرك التى تظهِر الصورة مقلوبة.. لا تفهم أنهم يصدقون أن الصورة هكذا هى الصحيحة كما ينبغى أن تكون. البهايم لا تفهم بشرا يعاير بعضهم بعضا بالأخطاء نفسها.. يعايرون من يتكلم فى الدين بأنه يفتى، فى حين أن مطلِق الاتهام يفتى فى الدين والهندسة والتاريخ والسياسة، يعايرون من يعمل بتمويل من الخارج وأصحاب الاتهام يحصلون على تمويلات كريهة الرائحة منذ سنوات وعلى عينك يا تاجر، يعايرون من يطالب بالحرية وأصحاب الاتهام لولا الحرية لظلوا إلى الأبد فى جحورهم غير قادرين على توجيه الاتهام ولو حتى للطقس الردىء. كرّم الله الجنس البشرى وميّزه عن «البهايم» بأن منحه نعمة العقل، البعض كان العقل بالنسبة إليه ابتلاءً عظيما يجعلهم فى حاجة إلى وقت طويل حتىيصبحوا «بهايم».