كنا في طفولتنا ونحن نلعب في الحواري والشوارع نتخانق ونتخاصم ونتشاجر، ولكن وفق قانون واضح نلتزم به جميعًا وهو عدم الضرب في الأماكن الحساسة، حتي لا يموت منا أحد أو يتأذي منا واحد نتيجة خصام حار أو خناقة حادة.. لكن يبدو أن هذا النظام الذي يحكمنا لا يعرف شيئًا عن قوانين الخناقة ولا يعرف الحكمة المصرية الرائعة وهي أن «الصياعة أدب».. النظام أول ما يتخانق معاك يقوم منشن علي المناطق الحساسة، يقرر يسجنك فورًا ولا ينبئك مثل خبير.. تحاول إقناع نظام يكره صحفيًا معارضًا فيطبق عليه قانون الطوارئ بأنه يا عم اتهد واحترم نفسك ليس هكذا تورد الإبل، فلا يقتنع ولا يبدو أنه سيقتنع.. المشكلة الحقيقية أن هذا النظام لا يعرف شرف الخصومة، محدش علمها له وهو صغير.. نظام يعتمد علي منافقين هم عصب وعصابة حياته وأهم سمة لدي المنافق أنه إذا خاصم فجر، ومن ثم يحول المنافقون للنظام أي خصومة مع معارضيه إلي خصومة فاجرة تخلو من أي شرف للخصومة.. فأبناء وأحفاد محجوب عبدالدايم الذين لا يجدون أي مشكلة في علاقة سعاد حسني بأحمد مظهر هم الذين يتصدرون مشهد الخصومة طول الوقت مع المعارضين.. خد عندك ما تمت كتابته عن الملك فاروق في بداية ثورة يوليو من خصومة فاجرة أعلنها منافقو يوليو تمسحًا وتزلفًا لرجال الحكم الجديد، ثم من أيامها وحتي الآن انظر كيف تتعامل الدولة مع جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عما فعله منافقو السادات في خصومتهم مع جمال عبدالناصر وجعلوا منه مصاص دماء بل وشككوا في ذمته المالية، ثم خصومة نظام مبارك لكل معارضيه الذين يتهمهم فورًا بأنهم عملاء وخونة كده مرة واحدة.. فالذي لا ينحني لنظام مبارك ويجعل من خده مداسًا ومن كرامته سجادة للنظام يصبح فورًا عميلاً ابن ستين في سبعين أو خائنًا للأمة أو يثير فيها الرعب والفزع (ألم تسمع مصر وهي تصرخ يا مامي كذا مرة مؤخرًا).. لا يوجد لهذه الخصومة أي وصف سوي أنها خصومة بلا شرف مليئة بالتلفيق والتزوير والتعذيب والاعتقالات والمحاكمات الشكلية والتشهير والاغتيال المعنوي.. يخوض منافقو مبارك معركة مع كل خصومه علي طريقة فتوات شارع محمد علي وليست معارك سياسية شريفة فيها تطاحن بالرأي وصراع بالكلمة وحرب بالحجة، بل تجد نفسك أمام جهاز أمني يضرب بنفس غشم عساكر الأمن المركزي في خصومة ممسوحة الضمير والعقل، و يجد أي تيار سياسي أو معارض مصري نفسه أمام جهاز إعلامي رسمي أشبه بالنساء اللاتي يؤجرهن للشتيمة والضرب والتقبيح ورمي الجتت تمامًا كأنه إعلام خالتك فرنسا، ثم جهاز قانوني كما أقول دائمًا يتعامل مع القانون علي أنه آلة للعزف وليس مواد للعدل، ومهمته ليست التعامل بروح القانون بل تطليع روح القانون، وتسأل نفسك: هل سمع هؤلاء الذين يقتحمون بيوت المعارضين وينتهكون حرمتها أن كفار قريش خجلوا أن يقتحموا بيت النبي ليلة الهجرة وهم يهمون بقتله عندما سمعوا صوت نساء داخل البيت فاستحيوا أن ينتهكوا الحرمة؟.. ألم يصل لهذا النظام نبأ صلاح الدين الأيوبي حين وجد ريتشارد قلب الأسد زعيم الصليبيين وقد حوصر من فرسان صلاح الدين وهو بلا سيف فأمر صلاح الدين أن يمنحوه سيفًا وحصانًا حتي يدافع عن نفسه؟.. بلاها تاريخ فالنظام لا يقرأ وإن قرأ فلا يقرأ صفحات التاريخ بل يقرأ أبواب أسعار البورصة، خلينا فيما يفهمه النظام، ألا يعرف هذا النظام.. ولاعب كرة القدم جمال مبارك أبرز رجاله أن الخشونة المتعمدة بغرض الإيذاء تستأهل عقوبة الطرد؟!