بعد 28 عاما من حكم مبارك.. لم يتحقق للشعب المصري لا الخبز ولا الحرية.. ازدادت الأوضاع سوءا وتدهورت الأحوال.. الفقراء يتزايدون والحريات تحاصرها المدافع.. الكل في خدمة مبارك.. وعائلة مبارك.. الدستور والقانون وميزانيات الدولة كلها في خدمة العائلة.. الحاشية وكباررجال الأعمال تحت أمر العائلة.. أجهزة الأمن مسخرة لتأمين العائلة.. أما شعب مصر فإلي الجحيم. هذا هو الواقع المؤلم الذي تعيشه مصر الآن.. حالة من الموات والإحباط واليأس.. الناس في مصر تعيش بلا أمل.. وهل يعرف أحد منا مصير هذا البلد.. أو إلي أين نحن ذاهبون.. هل يعرف أحد لماذا لم يتم التعديل الوزاري بعد كل هذه الضجة؟! هل يعرف أحد لماذا خذل مبارك الشعب المصري بعد العلقة الساخنة التي تلقاها المصريون علي أيدي الجزائريين في الخرطوم.. هل يعرف أحد من هو رئيس مصر القادم .. أو من سيتولي السلطة في حالة خلو المنصب؟!.. لاأحد يعرف شيئا، ثم يخرج علينا مبارك يطالبنا بالانضباط والهدوء. إن النظم التي تزور إرادة الشعب، وترفض أحكام القضاء وتحكم بقانون الطوارئ وتغتال حرية الناس، وتهدد أرزاقهم وأموالهم ولاتجد بعد ذلك من يسائلها أو يؤاخذها هي نظم تتمرد علي الشرعية، وتخرق الأصول الدستورية وتهتك إنسانية المواطن وتهدد أمن الوطن، وتعرض مستقبل الأجيال القادمة لضياع محقق.. فأي طاعة تجب علينا لهذا النظام، وأي هدوء نلتزم به حياله.. هل نطيع حكاما خرجوا علي الدستور وانتهكوا القانون، وداسوا أحكام القضاء بالأقدام. إننا لانتجاوز ولانعتدي عندما نعلن عدم التزامنا بالنظام القائم، وعدم تقيدنا بشرعيته المزعومة، فالنظم التي يجب احترامها هي النظم التي اختارها الشعب عن طواعية وإرادة .. والحاكم الذي يجب طاعته هو الحاكم الذي جاء إلي الحكم بإرادة الشعب.. يخضع لرقابته ومحاسبته. أما الحاكم الذي يفرض نظامه بالحراب والدبابات.. ويبسط سلطانه بالعنف والقوانين المقيدة للحريات، فلا طاعة لأوامره، ولاخضوع لسلطانه.. بل يجب تقويمه أو إسقاطه.. إذ لايجوز احترام الشرعية مع من خرجوا عن الشرعية.. ولايجوز مهادنة من رفضوا الالتزام بحدود الدستور الذي صنعوه والقوانين التي وضعوها. لقد وضع النظام الحاكم قانون الأحزاب، ثم تلاعب بقانون الأحزاب.. ووضع قانون الانتخاب ثم تلاعب بقانون الانتخاب.. ووضع قانون الطوارئ ثم تلاعب بقانون الطوارئ. وماذا بعد كل هذا التلاعب؟!.. وهل صح شئ عمله هذا النظام في أي مجال من مجالات حياتنا؟!.. هل خرجنا من أزمة الإسكان أو التعليم، أو الصحة.. هل نجحنا في وقف تزايد الأسعار وانهيار قيمة الجنيه.. هل أنقذنا محدودي الدخل وبالذات الموظفين والعمال من التردي والفقر.. هل تمكنا من حل مشكلة البطالة التي تحولت إلي قنبلة موقوتة في كل بيت.. هل تمكنا من التخلص من الديون التي تغرقنا أو حتي فوائدها التي تزهق أرواحنا.. هل نجحنا في الاعتماد علي أنفسنا في إنتاج طعامنا أو حتي حبة قمح ننتجها لأنفسنا.. ما الذي إذن نجح نظام مبارك في تحقيقه لإنقاذنا من الأزمات التي تحرقنا وتكتم أنفسنا حتي نتنازل عن حريتنا ونسلم رءوسنا لهؤلاء القوم؟ ما هو المقابل الذي أعطانا النظام الحاكم إياه حتي يستبيح أعراضنا وأرزاقنا وحريتنا وكرامتنا ويتصرف فينا تصرف السادة في العبيد ؟! كنا نفهم من يقول أعطني حريتك أعطك خبزا.. وكانت له مبرراته في الضحك علي ذقون العباد، أملا في امبراطورية عربية تمتد من المحيط إلي الخليج..ولكننا لانفهم أبدا من يأخذ حريتك ولايعطيك إلا المذلة والمهانة والهوان والتضور جوعا بحثا عن كسرة خبز نستجديها من هنا أو من هناك؟ لانفهم أبدا الصمت والخنوع والاستسلام لنظام سقطت مشروعيته بحكم القضاء ولم يعد أمامه إلا أن يلقي بسلاحه ويرحل من ساحة الحكم فهذه السلبية المفرطة لن تفيد إلا في توريطنا أكثر وأكثر في الأزمات.. وإغراقنا أكثر وأكثر في الديون والالتزامات ، فالنظام كله يتحرك بمنطق خاطئ.. ويتصرف بأسلوب مريض لايمكن أن تكون نتيجته إلا خرابا محققا. لقد صبرنا وجربنا وحاولنا طيلة 28 عاما من حكم مبارك وقلنا إن المفتاح هو الديمقراطية والمدخل الصحيح هو احترام الإرادة الشعبية وأكدنا مرارا أنه لا علاج لأمراضنا المستعصية طالما يحكمنا أهل الثقة وشلة المنتفعين وطالما أن الحاشية الفاسدة تحيط بالرئيس مبارك. وهذا عشم إبليس في الجنة إن ظن النظام أنه قادر علي كتم أصواتنا وضمان استسلامنا إلي مالانهاية.. فقد فعل إبليس كل شئ ليخرج من الجنة.. ومع ذلك ظل يأمل في دخول الجنة،والنظام الحاكم فعل بنا كل ما فعله إبليس من خطايا وآثام وظل يرجو الاستقرار في الحكم والبقاء في مربع السلطة.. وهذا عين المستحيل مادام في هذا الشعب عروق تنبض وعقول تفكر فأكبر الدواهي أن يغتال الحق كل يوم ألف مرة ولانملك إنقاذه.. وأن ينزل الظلم كل يوم ألف مرة ولانملك دفعه.. ثم نفخر ونباهي بالحضارة والعراقة والأصالة.. ونمضي في تلقين الآخرين دروسا في العظمة الكاذبة والمجد الزائف .. ونحن أحوج ما نكون لهذه الدروس فأي تناقض هذا في سلوكنا وأي تضارب هذا في خطانا بعد هذا التناقض والتضارب.. ومن ذا الذي يشفع لنا أو يبرر سكوتنا إلا إذا كان من طينة إبليس يرتكب كل الآثام ويحلم بالجنة الموعودة.