نحن المصريين أولاد نكتة .. شعب يعشق الدعابة ويستطعم القفشة الحلوة والكلمة الضاحكة في أحلك المواقف وأسوأ الظروف .. نضحك حتى تغرورق العينان بالدموع ونهتف : اللهم إجعله خير" طابور كبير من الكتاب الساخرين والأدب الساخر عرفه بلاط صاحبة الجلالة من أيام بيرم التونسي ومحمود عفيفي ومحمود السعدني وأحمد رجب إنتهاء بكتاب مثل بلال فضل وعمر طاهر وأسامة غريب .. ولكن آن الأوان لينتهي عصر الكتابة الساخرة في مصر .. فمنذ أن تولى المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد تحولت الكوميديا السوداء إلى شعار المرحلة ولم يعد عند المحكومين بضاعة تنافس ما يقدمه لنا الحاكمون .. منذ اللحظة الأولى لسيت كوم حكم العسكر كانت قفشة الراجل اللي ورا عمر سليمان .. بالتأكيد لم تكن مصادفة ولم تكن غلطة وإنما كانت شهادة إعتماد تاريخية للمرحلة العبثية الكوميدية السوداء نجحت المؤتمرات الصحفية الجادة في عصر العسكر أن تتحول إلى مادة للكوميديا .. يتحدث المسؤولون بمنتهى الجدية وتجلجل الضحكات في خلفية المشهد مثل حلقات السيت كوم .. يشير سيادة اللواء بإصبعه مهددا فتتعالى الضحكات .. يبرر لواء آخر أحداث ماسبيرو ودهس المدرعات للمتظاهرين بأن "المدرعة إتسرقت" فتسري همهمة مرحة .. يخرج الحاج عيسوي بتاع الداخلية مؤكدا أن الشرطة لم تطلق رصاصة واحدة في أحداث محمد محمود (صوت ضحك) .. ثم يخرج بتصريحات رسمية تقول "الشرطة إنضرب عليها قنابل غاز" (صوت ضحك يتصاعد مع دبدبة أقدام في الأرض وسقوط بعض المشاهدين في حالة هيستريا) ويذهب بعدها بعض المشاهدين في حالة إغماء عندما تصدر تصريحات رسمية تتحدث عن "إستعمال المتظاهرين العنف المفرط ضد قوات الجيش في أحداث مجلس الوزراء" .. التصريحات الرسمية وحدها ليست كافية لإنجاح سيت كوم حكم العسكر .. فهناك الفضائيات ودنيا الإعلام التي تألقت في مرحلة ما قبل التنحي بفقرات "تامر بتاع غمرة" و"طنط عفاف بتاعة الريش والبيتزا" .. ولكنها بعد أن دخلنا في مرحلة حكم العسكر وجدناها تفرز رموزا فضائية (نسبة إلى الفضائيات) من أول صبحي صالح والطود الراسخ إلى توفيق عكاشة ومرافعات فريد الديب دفاعا عن مبارك .. حتى رجال الدين (الفضائيين) لم يوفروا القفشات فرأينا قفشة "غزوة الصناديق" .. التي خرج بعدها الشيخ الوقور يقول " معلهش كنت باهزر" .. وشيخ آخر يخرج على قناة دينية مرتديا ثياب الأراجوز وهو يلقي القفشات على طريقة : "ياواد يا مؤمن" .. حتى الأخبار العادية المنشورة في الصحف أصبحت تحمل طابع المرحلة (كوميديا سوداء) .. منذ يومين قرأت خبرا عاديا جدا عن إستقبال رئيس البرلمان الأورومتوسطي لسفير الإتحاد الأوربي .. خبر من نوعية الأخبار المملة التي لا تهم أحد .. ولكنك عندما تقرأ الخبر لابد أن تستلقي على ظهرك من الضحك أو تقتل نفسك برصاصة فالخبر يبدأ بجملة" إستقبل السيد محمد أبو العينين رئيس البرلمان الأورومتوسطي ..... ) يالهوي .. يا خرابي .. محمد أبو العينين رجل الحزب الوطني في برلمان 2010 المزور بالكامل مازال يحمل صفة رسمية كرئيس للبرلمان الأورومتوسطي ويستقبل ويودع الوفود الرسمية بإسم مصر .. خلاص .. كتاب الأعمدة الساخرون لن يكون لهم مكان في الصحافة المصرية .. يجب على الأعزاء بلال فضل وعمر طاهر وأسامة غريب وغيرهم التفكير في إقامة مباريات إعتزال الكتابة الساخرة والبحث عن بضاعة أخرى يقدمونها للقراء .. فما تبقى من المساحة المخصصة للكوميديا السوداء في الصحف سوف يكون مخصصا للزملاء المحررين البرلمانيين .. جلسات مجلس الشعب الجاية .. مش هتقدر تغمض عينيك !!