وفاة "الولد الشقي" الكاتب الكبير محمود السعدني الذي كانت سهامه الساخرة لا يسلم منها أحد، فيعرض أكثر المواقف بؤسا بأسلوب يشمل النقد السياسي والإجتماعي اللاذع ولكنه مع ذلك يجعل القارئ يستغرق في الضحك بدلا أن ينخرط في البكاء، وأكد البعض أن ساحة الأدب الساخر تفقد رموزها حتى أن الكُتّاب الساخرين الآن تقطر المرارة من أقلامهم وينتهجون نهج الكوميديا السوداء التي تجعل القارئ يشعر بالإنقباض بعد قراءة كتاب أحدهم .. "محيط "سأل عدد من الكتاب المصريين عمّن يختارونه لخلافة الساخر السعدني ، ولماذا افتقدنا الأدب الضاحك والأدباء الظرفاء ؟ رفض الناقد والشاعر شعبان يوسف الطرح القائل أن الأدب الساخر الآن أصبح يعتمد على الكوميديا السوداء، لكنه يراه أدبا مطابقا للواقع الذي نعيشه فهو واقع قاتم يجب التعبير عنه بهذه الكتابات، مؤكدا أن الكاتب الكبير الراحل محمود السعدني إذا عايش الظروف التي يمر بها المجتمع الآن لما اختلفت كتاباته عما نراه. ويوضح يوسف أن السعدني ذاته لم يبدأ كاتبا ساخرا بل كانت أعماله الأولى عادية، لكنه تحول إلى هذا الفن بعد التحاقه بمجلة "صباح الخير" التي كان السخرية طابعها المميز، ومن هنا تولد حس النقد لديه وأصبح يعلق على أحداث المجتمع بشكل ساخر، فاختلاف أسلوب الكتابة الساخرة بين عصر السعدني والآن يعود إلى تغير المجتمع نفسه . وأكد الناقد أننا في السابق كنا نملك مشروعا قوميا يتكاتف الجميع لتحقيقه، اما الآن مجتمعاتنا يسودها الفوضى والعشوائية والتخبط الأمر الذي انعكس على الكتابة أيضا، ويستثنى من ذلك الكاتب "بلال فضل" الذي يراه يملك عمق السخرية التي كان يتحلى بها الراحل محمود السعدني بالإضافة إلى الأمل الذي يبثه طوال الوقت من خلال كتاباته فرغم سخريته اللاذعة من الكوارث التي نراها في مجتمعاتنا إلا أن فضل دائما يكتب ليحث القارئ على فعل شئ وألا يستسلم للاحباط، بالإضافة إلى الفلسفة التي تكمن وراء كتاباته. كما يرى شعبان أن هناك قامات عديدة من الأدباء الظرفاء لم يلتفت إليهم مثل محمد مستجاب الذي كانت له كتابات بارزة في مجلة "المصور" وفي "أخبار الأدب" ويتميز قلمه بالمتعة والنقد اللاذع في آن واحد، ومن كتاباته "جبر الهواطر" و"حرقة دم" بالإضافة إلى عميد الكتاب الساخرين الكاتب محمد عفيفي وله كتابات عديدة مثل "ضحكات عابسة" و"تفاحة آدم" لكننا الآن نعيش في عصر "الاستظراف" كما يقول الناقد والشاعر الكبير وهو ما يفسد هذا اللون من الأدب، فالجميع يكتب بأسلوب ساخر من أجل المبيعات ويتطرف البعض ويضع عناوين تفتقد إلى الأدب والأخلاق من اجل لفت الأنظار إليه. أما الكاتب الشاب محمد فتحي والذي يصنفه الكثيرون على أنه "ساخر" في كتاباته، فيرى في حديثه ل"محيط" أن هناك كثير من الظرفاء الآن في عصرنا لكن النقاد هم من لا يسلطون الضوء عليهم، وعلى رأسهم الكاتب بلال فضل الذي يراه من أنجب تلامذة الراحل الكبير محمود السعدني وولي عهده فخلال عشر سنوات سيكون هو "سعدني زمانه"، بالإضافة إلى وجود عدد من المتميزين مثل عمر طاهر، وأشرف توفيق وهيثم دبور، والباقي هم أشباه ساخرين. فالسخرية في رأي صاحب "مصر من البلكونة" لا تعني الضحك، إنما من أدواتها استخدام الكوميديا السوداء المضحكة المبكية والاعتماد على التناقض الذي هو أساس السخرية، ومشكلة هذا النوع من الأدب – يعني الأدب الساخر – هو أن النقاد يتعاملون معه بنوع من التعالي ويصفونه بانه "أدب درجة ثالثة" ولذلك ابتعدوا عن الكتابة عنه رغم أهميته في رصد تطورات المجتمع خلال عقد من السنوات، مما جعل الجميع يتجرأ على كتابته وجعل دور النشر يلهثون وراء أي كتابة ساخرة حتى ولو لم تكن أصيلة بهدف البيع فالأمر أصبح "سبوبة" مما أبخس من قيمة الأدباء الساخرين، ومع ذلك الزمن هو خير حكم فالأدباء الجيدون هم وحدهم من يستمرون. ويتساءل فتحي: هل يوجد ناقد واحد كتب مقالة جادة عن الأدب الساخر خلال 50 عاما الماضية ليتعلم الأدباء منه، أو صدرت كتابات نقدية عن حاضر هذا الأدب ومستقبله وارتباطه بالواقع المصري؟ رغم نجاح هذا الادب في رصد تطورات الجيل الحالي في فترة حكم الرئيس مبارك حتى أصبحنا نعول على علماء الاجتماع أكثر من النقاد في فهم المجتمع. وزمننا الحالي يفتقد للكثير، فعصر السعدني كان بحق عصر الظرفاء فبجواره كان يقف أحمد رجب، وكانت تصدر مجلة "البعكوكة" الساخرة والآن لا يوجد سوى جريدة واحدة تعتمد فلسفتها على السخرية هي "الدستور".