انتهى "ماراثون" الانتخابات البرلمانية، وحاز الإسلاميون على أكثر من ثلثي المقاعد، نعم، هو فوز كبير ومستحق، لحين موعد انتخابات أخرى بعد أربع سنوات،.. لكنه مجرد اختيار، احسب أن اقتناع الإسلاميين بأنه مؤقت، ومشروط، لا فيه بيعة أوعهد على السمع والطاعة، هو أهم خطوة لتأسيس الوفاق الديمقراطي، فلا المنتخبين أهل الحل والعقد ولا الناخبين مجرد قطيع ملتزم بالسمع والطاعة، ناهيك عن أن الذين انتخبوا التيار الإسلامي ليسوا على سبيل الحصر المؤيد والمنتسب والمنتظم والعامل هي فئات العضوية لدى جماعة الإخوان. لا أتمنى أن ينخدع الإسلاميون بأن لديهم أغلبية مريحة، وأنهم ليسوا بحاجة لأحد ، فحتى لو حصلوا على 99% من المقاعد، فلا يعني ذلك أن لديهم تفويض كامل من الأمة، فالانتخابات تفويض نسبي وجزئي ومؤقت بأربع سنوات، والأهم أنه مقيد بقواعد عامة للمجتمع، فلا ينبغي أن يظن الإسلاميون أن مهمتهم الوحيدة هي تغيير البلاد والعباد حتى وإن نسبوا ذلك للإسلام. كل أحاديث المراوغة وتيه التصريحات يجب أن تختفي في البرلمان القادم، كما ينبغي أن يعرف الناس حدود سقف الحريات لدى الإسلاميين،.. فالضبابية وإتيان الرأي ونقيضه تخيف جمهور واسع، بأن هناك سقفا يصعب على الإسلاميين تجاوزه للمشاركة في بناء ديمقراطي، أساسه الحوار والاعتراف المتبادل والبعد عن التخوين أو التكفير، والأهم هو الانقلاب على الديمقراطية نفسها ، وأظن أن استمرار المراوغة في ساحة البرلمان سيكون خطيئة كبرى، لاسيما لمن يصفون أنفسهم بتيار الإسلام المعتدل. لقد أظهرت الانتخابات كم أن جسم التيار الإسلامي ضخم وكبير، لكن البرلمان هو الملعب الحقيقي لكي يثبوا أن هذا الجسم الضخم له عقل متسع، وفكر متطور، ورؤية أوسع من حدود كونها جماعات دينية لديها منطلقات فكرية محددة، وترفض الانسجام مع نظام ديمقراطي، فالحقيقة أن نظرية الاستحواذ والاستغناء والاستعلاء لن تحقق التوافق المطلوب، وبالتالي لن يتحقق النظام الديمقراطي الذي حلمنا به، باعتبار أن التوافق لا الغلبة هو جوهر الديمقراطية. ينبغي أن نلحظ منذ الجلسة الأولى أننا أمام برلمان يعي مسئولياته لاستكمال مطالب الثورة والتأسيس لمنهج التوافق ولا منهج موافقون، .. قد نسمع خطب رنانة وتحية للثورة والثوار ودماء الشهداء لكن ذلك لن يعدو كونه مقولات جوفاء متملقة، منافقة إذا لم يتم الإعلان صراحة خلال الجلسة الأولى عن إطلاق الحريات العامة والدعوة القوية لوقف العمل بقانون الطوارئ وإلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين، وتعطيل قانون منع التظاهر والإضراب الذي صدر خلال حكومة شرف، ... ينبغي أن يدرك الجميع وفي مقدمتهم أصحاب الأغلبية أن كراسيهم ستلطخها دماء الشهداء ما لم يوفوا حقهم في القصاص العادل الناجز، لا حقهم في التعويضات المادية وحسب. رغم كثرة الملفات المطلوب من البرلمان منحها الأولوية، يبقي التوافق على معايير اختيار الجمعية التأسيسية لوضع دستور يعبر عن كل المصريين هو التحدي الأكبر كي تثبت الأغلبية أنها لا تتصرف بمنطق البيعة. بالمقابل لا أتمنى أن تلهث الأقلية غير الإسلامية وراء تحالفات تضع أمامها فتات الموائد، فالقضية وبالأخص قضية الدستور وقفة جادة كي نؤسس لدولة عصرية حديثة، وأنا هنا أراهن على القوى السياسية الجديدة وكثير من السياسيين الذين دخول معترك السياسة لأول مرة، لا أولئك الذين قبلوا بفتات مبارك ونظامه، ومستعدون للعق أحذية الإخوان والسلفيين.