هناك إشكالية كبيرة يعانى منها التيار الإسلامى فى مصر الآن وهى إشكالية البحث عن توافق؛ فى أى مجتمع إنسانى لا يمكن أن يتوافق الجميع على آراء تفصيلية بعينها؛ بل فى تفاصيل الاجتهادات الفقهية داخل المنظومة الإسلامية وجدنا آراء وصلت – إذا ما قارناها – إلى المخالفة والمعاكسة، لكن أن يكون التوافق على حساب فصيل بعينه، وهو الأغلبية فى البرلمان مثلاً فهذا مما يُعجب له، بل يُندهش منه؛ لأنه بمنتهى البساطة خلل فكرى يحتاج إلى المراجعة؛ فحينما نقول إننا لن نؤيد المستشار الخضيرى لرئاسة البرلمان لأنه غير توافقى؛ فهذا هو الخلل الفكرى الذى يحتاج إلى تصحيح المفاهيم والتصورات؛ لأن الرجل بتاريخه الثورى والقضائى المشرف يتوافق عليه كل شريف ووطنى مخلص؛ ولا يمكن أن أفهم التوافق ساعتها سوى كونه التنازل ولا شىء آخر. على الأغلبية البرلمانية أن تعى أن اختيار الشعب لها إنما هو تفويض غير مطلق أو بالأحرى تفويض مشروط؛ بدليل أنهم إذا اختلفوا على أمر مصيرى كالدستور ولم يجدوا التوافق عليه ردوا الأمر إلى صاحب الأمر الحقيقى وهو الشعب، ومن هذا المنطلق القانونى والمنطقى على هذه الأغلبية أن تعى أن اختيار الناس لهم إنما هو اختيار لثوابت لا يمكن التنازل عنها؛ فلا يمكن أن يقبل 70% من الشعب المصرى أن يسيطر على البرلمان أو رئاسة الحكومة المقبلة التيار العلمانى بحجة أن الإسلاميين غير مؤهلين وأن دورهم إنما ينحصر فى التشريع والرقابة؛ فهذا خلل إدارى وسياسى وقلة شجاعة تنال من رصيدهم ولا تضيف إليه، وفى هذا السياق نذكر بكلام الأستاذ راشد الغنوشى رئيس حركة النهضة التونسية، صاحبة الأغلبية فى البرلمان التونسى الآن حيث قال: "الحركة الإسلامية اليوم هى القوة الشعبية الأساسية، فما ينبغى أن تتأخّر عن أداء واجبها الدينى وواجبها الوطنى. ما ينبغى أن ترتجف أفئدتها من مسألة الحكم، وتعتبر أن غيرها من المجموعات العلمانية الصغيرة أولى منها بالقيام بهذا الواجب. ما ينبغى أن ترتجف القلوب هلعًا من الحكم، وكأن الآخرين يملكون أسراره. وكأن الآخرين هم أهل الاختصاص فى تحقيق أهداف الثورات فى العدل والحرية. نحن لا ندعو إلى احتكار الحكم من طرف الحركة الإسلامية، ولكن ندعو الحركة الإسلامية ألا تكبكب أمام أداء الواجب فى قيادة شعوبنا. إذا أعطيت الثقة من شعوبها، فالمفروض ألاّ تكبكب ولا تتأخّر ولا تجبن، وإلاّ فسنكون قد ساهمنا فى تزييف الديمقراطية... العلمانيون لا يملكون السرّ المكنون. نخبهم تخرّجت من نفس الجامعات التى تخرّجت منها نخبنا، ونحن نتفوّق عليهم بأنّنا أهل دين، إما أن يقضى على الفساد، أو يحدّ منه إلى حدّ كبير. وهذا مهم جدًا، لأنه تبيّن أنّ مصدر فشل مشاريع التنمية هو فساد الحاكمين، والإسلاميون يملكون الدواء، أو التقليل منه إلى حدّ كبير، لأننا مع بشر وليس مع ملائكة... أمّا النظام الدولى، والإسلاميون يتخوّفون من أنّ للعلمانيين ظهيرًا دوليًا، وأنّ العامل الدولى ضدّ الإسلاميين، فأولاً ليس كل ما تريد أمريكا يكون. ما يريد الله هو الذى يكون، وأمريكا ليست إلهًا. الكثير من الأحداث حصلت فى العالم لا تريدها أمريكا، بما فى ذلك هذه الثورات، فقد حصلت بدون إرادة أمريكا، ونجحت بدون موافقتها وبدون إذنها. ينبغى أن نتخلّى عن فكرة أن ما يريد الغرب هو الذى يكون، فما يريد الله، ثم ما تريد شعوبنا، هو الذى يكون بإذن الله". هذا الكلام الواضح الصريح الذى يمتاز بالواقعية الشديدة والفطنة على الحركة الإسلامية فى مصر أن تفهمه وتعيه جيدًا [email protected]