بات واضحا أن هناك اتفاقا بين العديد من القوى العلمانية الليبرالية مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأن هذا الاتفاق مدعوم خارجيا، أو متوافق مع توجهات الدول الغربية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكل المؤشرات تؤكد أن هذا الاتفاق يتضمن محاولة تقييد عملية وضع الدستور الجديد، وتقييد العملية السياسية بعد وضع الدستور، فى مقابل احتفاظ القوات المسلحة بوضع خاص وقيامها بدور سياسى ما. وفى كل مرة تتغير طريقة تنفيذ هذا التصور، ولكن يبقى جوهر التصور واحدًا، فهو يدور حول تقييد العملية السياسية من خلال دور للقوات المسلحة. والظاهر أن كل التوافقات الوطنية الحادثة ليس لها تأثير على هذا السيناريو، فرغم توافق كل القوى السياسية على جملة المبادئ السياسية الدستورية، التى ترغب كل القوى السياسية فى أن يقوم عليها الدستور الجديد، فإن محاولات الالتفاف على الإرادة الشعبية، ووضع قيود عليها حاليًا ومستقبلا لم تتوقف. وإذا كانت كل القوى السياسية توافقت على مبادئ المواطنة والمساواة والحقوق والحريات، ومرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية، فكان من المفترض أن تنتهى المواجهة السياسية بين التيار العلمانى والتيار الإسلامى. ولكن استمرار التيار العلمانى فى محاولة وضع قيود على الاختيارات الشعبية الحرة، حاليًا ومستقبلا، تدل على أن المشكلة أكبر مما يظهر. ويبدو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لديه تصور أن أى تغيير واسع فى سياسات الدولة، سوف يكون له تأثيرات إقليمية ودولية واسعة، مما جعله يتصور أن دوره فى حماية الأمن القومى، يتطلب منه أن يكون له دور فى العملية السياسية، ويبدو أيضا أن الدول الغربية خاصة أمريكا، توافق على هذا التصور. كما أصبح من الواضح أن القوى العلمانية تريد أيضًا تقييد العملية السياسية، حتى لا يحدث تغيير واسع فى سياسات النظام الحاكم، التى استقرت زمن النظام السابق، بما فى ذلك طابعها العلمانى القومى القطرى. معنى ذلك أن السبب وراء محاولات تقييد عمل البرلمان القادم، وتقييد اللجنة التأسيسية التى سوف تضع الدستور الجديد، ومن ثم تقييد العملية السياسية فيما بعد، يكمن فى وجود رغبة فى الحفاظ على الطابع العلمانى لسياسات الحكم، بما فى ذلك طابعة القومى البعيد عن الهوية العربية الإسلامية، وطابعه القطرى البعيد عن الوحدة العربية الإسلامية. لذا يمكن القول، أن القوى العلمانية تريد تقييد مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية، حتى لا تتمدد بقدر يؤدى إلى تنحية الطابع العلمانى القومى القطرى، المتحقق فى سياسات الحكم التى استقرت فى العقود الماضية. بما يجعل الخلاف الأساسى بين النخب العلمانية والتيار الإسلامى، فى أن النخب العلمانية تريد تقييد الإرادة السياسية الشعبية، حتى لا تخرج عن الطابع العلمانى المتحالف مع الغرب مستقبلا. لذا فالخلاف مازال حول المبادئ الأساسية الدستورية، حيث تريد النخب العلمانية تغليب المواطنة والمساواة والحريات بمعناها العلمانى، وتنحية مبادئ الشريعة الإسلامية نسبيًا، فى حين أن التيار الإسلامى فى أغلبه، ومعه جمهور واسع، يريد تحقيق المواطنة والمساواة والحريات داخل إطار مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية. [email protected]