في الأسبوع الماضي في سياق مناقشة علاقة التعليم بالمواطنة تعرضت لما حدث في امتحان مادة التربية الفنية بالمرحلة الإعدادية بمحافظة البحيرة، عندما طلب الممتحن من التلاميذ موضوعاً في الرسم عن شعائر الحج إلي بيت الله الحرام، وفي الزخرفة حول استخدام الآيات القرآنية في عمل شكل زخرفي، ضارباً عرض الحائط بكل قيم المواطنة ومعانيها، ومتعدياً علي حقوق الطلاب غير المسلمين في امتحان عادل يمكنهم الإجابة عليه، فلا يفترض أن يستطيع الطفل غير المسلم أن يعبر عن شعائر الحج ولا أن يحفظ آيات القرآن الكريم، وكنت قد قرأت الخبر في «اليوم السابع» وأشارت إليه بعض الصحف والمواقع الإلكترونية. اليوم وصلتني رسالة علي بريدي الإلكتروني تحمل خبراً يؤكد أن الأستاذ الدكتور أحمد زكي بدر، وزير التربية والتعليم قد وقع عقوبات مشددة علي القائمين علي وضع هذا الامتحان، الذي لا يمكن أن يوصف إلا بأنه امتحان ظالم ومتحيز ومسيء، وفي الحقيقة يستحق وزير التربية والتعليم كل التحية والتقدير علي هذا الموقف الحازم والحاسم والسريع، وقد يكون هذا الاهتمام من الوزير مؤشراً ينبئ بأسلوب الرجل في التعامل مع المشكلات، إنه مؤشر يدعو للتفاؤل والارتياح، ويبشر باحتمالات إيجابية في التعامل مع قضايا التعليم، وفي مقدمتها دور التعليم في ترسيخ قيم المواطنة. وفي الحقيقة لم أستغرب من هذا القرار من رجل مثل وزير التربية والتعليم الجديد، فما قام به عندما كان رئيساً لجامعة عين شمس من تصحيح لأوضاع فاسدة كانت تسمح باستمرار المعيدين والمدرسين المساعدين لسنوات عديدة دون إنهاء رسائلهم متجاوزين بذلك كل اللوائح والقوانين في ظل تواطؤ غير مفهوم من مجالس الأقسام يؤكد أننا أمام وزير لن يتهاون في خرق القوانين، ما بالنا إذا كان الخرق خرقاً لقيم المواطنة. وأظن أن ما حدث مع من ارتكبوا هذا الخطأ الذي يرقي إلي مستوي الخطيئة ليس المؤشر الإيجابي الوحيد فيما اتخذه الوزير أحمد زكي بدر من قرارات في الفترة الأخيرة يستحق التحية عليها، فما نشرته الصحف عن قراره بضرورة الالتزام بطابور الصباح وتحية العلم في المدارس أيضاً يحمل رسائل لافتة للنظر، فاحترام طابور الصباح يعيد للمدرسة قدراً من مكانتها وهيبتها المفقودة، حتي ولو كان أمراً شكلياً، لكنه مهم في علاقة التلاميذ الصغار بالمدرسة، كما أن تحية العلم، سلوك يساعد، مع أشياء أخري، علي ترسيخ قيمة المواطنة بين الأجيال الجديدة، فالعلم ليس مجرد قطعة من القماش الملون، إنه رمز للدولة والوطن، العلم يجمعنا ويوحدنا حوله، وقد حاولت جماعات التطرف الديني التي اخترقت المنظومة التعليمية تدريجياً حتي عششت في أركانها وسيطرت عليها أن تلغي هذا التقليد الذي يرقي إلي درجة الطقوس من كثير من المدارس، لقد كانت تحية العلم مع إنشاد الطلاب للنشيد الوطني طقساً أساسياً في المدارس الحديثة في مصر، علي مدي عقود، يتغير لون العلم ورسمه، يتغير النشيد الوطني لحناً وكلمات، لكن العلم والنشيد بقيا دوماً رمزاً للدولة المدنية للوطن للأمة المصرية الموحدة. ومصر عرفت الشعارات والرايات منذ أقدم عصور حضارتها، لكن العلم أخذ بعداً جديداً مع بدايات تأسيس الدولة الحديثة في عصر محمد علي باشا عندما ميز العلم كالمصري عن العلم العثماني، وعندما أصبح للفرق العسكرية راياتها، وللعلم الذي يحمله الجنود في المعارك قسمه ونشيده. كان العلم في مصر الحديثة دائماً رمزاً لمعارك الأمة من أجل استقلالها وتطورها، وكانت تحية العلم صباح كل يوم في مدارس مصر وإنشاد النشيد الوطني المصري تشكل جزءاً من الطقوس الشكلية المهمة التي تنمي معاني الانتماء لدي الصغار، وعندما سعي من اخترقوا منظومة التعليم من المتطرفين دينياً إلي إلغاء هذه الطقوس بدعوي وثنيتها متناسين أن الدولة الإسلامية في عصر النبوة كان لها رايتها التي يستشهد المقاتلون دفاعاً عنها كانوا يهدمون بوعي وتخطيط خبيث أسس الدولة المدنية الحديثة في مصر، وعندما استبدلوا الأناشيد الدينية في طابور الصباح بالنشيد الوطني المصري كانوا ينخرون في وحدة الأمة ويسعون لشقها. لقد اتخذ الوزير الجديد خطوة مهمة تأخرت كثيراً، وأظن أنه سوف يتلوها بخطوات تعيد للتعليم دورها في بناء المواطنة، نتمني أن تطال محتوي المناهج التعليمية وأساليب التعليم. تحية لوزير التربية والتعليم الذي يحتاج في مهمته الصعبة إلي دعم ومساندة كل من يتطلعون إلي مستقبل أفضل لهذا الوطن.