يكاد السلفيون أن يفسدوا خلطة الإخوان والعسكر. وذلك بتحسين صورة الإخوان وحتمية بقاء العسكر في السلطة حتى ولو من وراء ستار. وبالتالي كان من الضروري اختراع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هكذا يثبت العسكر أنهم أضعفوا الدولة ومرمغوا رأسها في التراب. ففي الوقت الذي ينشد فيه الإخوان أناشيدهم بمدنية الدولة ويصدر العسكر بياناتهم بضرورة تسليم السلطة إلى حكم مدني، بينما لا يتحدث أحد عن دستور يحافظ على وحدة الدولة، نجد أن الدولة تنهار بظهور "اللحاة الجدد" أو قطاع الطرق، وهو أكبر دليل على تفتت الدولة بأيدي العسكر والإخوان معا. لا أتصور أن يتجسد الله في صورة شخص ملتح أو غير ملتح ليضرب أختى أو أمي أو زوجتي أو ابنتي آمرا إياها بما يريد. لا أتصور أن يهجم علىَّ شخص بخيزرانة أو عصا كهربائية ليأمرني بأن أضرب زوجتي أو ابنتي أو أختي أو أمي. لا أتصور أن يبتسم أحد العسكر أو أحد الإخوان ليسخر من كلامي ويشيح بوجهه متأففا. العسكر والإخوان يهدمون الدولة مع سبق الإصرار والترصد. وإذا كانت حكاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجرد لعبة منحطة وخطوة حقيرة لتحسين وجه الإخوان والعسكر أمام بسطاء المصريين، فلا مفر من أن نقارب بين شكل قطاع الطرق الجدد وبين الوجه الواحد للعسكر والإخوان. النظام العسكري في مصر أصبح في أضعف مراحل وجوده منذ تسلم السلطة من تحالف الأمن وطواغيت المال. وبالتالي قرر إشراك كل من يراهم مؤيدين له في السلطة، بما في ذلك كل التيارات الإسلامية، ورؤساء العصابات الذين كانوا يخدمون مبارك ورجال أعماله وأجهزته الأمنية. هكذا تؤكد أسطورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. من السهل إغلاق مكاتب منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والحقوقية واعتقال العاملين فيها بعد اتهامهم بالعمالة وتقاضي أموال من الخارج والعمل وفق "أجندات" خارجية لإسقاط الجيش وهدم الدولة. من السهل الحكم ببراءة قتلة الشهداء، وإخراج مبارك وأولاده وأركان حكمه من الزنازين. ولكن من الصعب إجراء هيكلة في الأجهزة الأمنية، واعتقال رؤساء العصابات الذين، يتقاضون الأموال من رجال أعمال مبارك وجمال مبارك، ليدفعوا بالمشبوهين والنشالين ومرشدي البوليس والمخبرين للحرق والهدم. من الصعب أن يفتحوا ملفات جنائية للجنرالات الذين يدلون بتصريحات فاشية ونازية ويتحدثون عن المحارق. من الصعب أن يقاضوا اللحاة الجدد والقدامى الذين يحضون على العنصرية والتكفير ويحرضون ضد المواطنين المصريين. من الصعب أن يتابعوا التلفزيون الحكومي والصحف الحكومية والمسؤولين الرسميين الذين يؤلبون المصريين بعضهم على البعض الآخر ويثيرون الفتن الطائفية والفكرية. من الصعب أن يعتقلوا البلطجية وقطاع الطرق – اللحاة الجدد – وهم متلبسون بجرائمهم. الصعوبات كثيرة أمام العسكر لأنهم متمسكون بالسلطة وبالحفاظ على حياة مبارك وأولاده والإبقاء على جميع أركان المنظومة الإدارية والسياسية والاقتصادية. تحدثنا قبل ذلك عن علاقات النسب والقربى بين أركان السلطة السابقة – الحالية. وتحدثنا علاقات النسب والقربى بين أركان السلطة وبين قادة تيار الإسلام السياسي وجماعات التكفير والأمر بالمعروف. إذن، فكيف يمكن أن يقوم العسكر بالتغيير وهم إن فلتوا من إغراءات السلطة لن يفلتوا من علاقات النسب والقرابة؟! الأخطر أن يكون الإخوان طوال 30 عاما كاملة قد تمكنوا من اختراق كل مؤسسات الدولة بلا استثناء. وبالتالي لا يمكن أن نتحدث عن تحالف بين العسكر والإخوان والسلفيين، وإلا سنكون مثل فلول العباسية الذين رأوا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو عميل لللأمريكان! بداية من 19 نوفمبر أكد العسكر والإخوان والسلفيون أنهم ليسوا حلفاء على الإطلاق، ولن يكونوا أبدا. فهم في حقيقة الأمر شئ واحد. وكان مبارك وأولاده وطواغيت ماله أضعف حلقة في هذه المنظومة التي تشكلت على مدى 30 عاما. وعندما حان الوقت، تخلصوا من الحلقة الضعيفة مع ضمان الحفاظ على حياة أعضائها ولو حتى داخل السجون والمستشفيات. إن كل ما يجري الآن استعدادا للخامس والعشرين من يناير 2012 هو مجرد رسائل للخارج من جانب العسكر والإخوان. لم يعد هناك أي اهتمام بالداخل، لأنهم – يتصورون – أن العسكر يحكمون قبضتهم على الناس بالسلاح والمحاكم والتعذيب وهتك الأعراض، وأن الإخوان حصلوا على الشرعية في الانتخابات المضحكة التي بدأت منذ أكثر من شهر وستنتهي بعد أسبوعين. إنهم يخرجون في جمعة "لم الشمل" المضحكة فعلا عشية الذكرى الأولى لمذبحة كنيسة القديسين. لم شمل من والقضاء المصري العريق يبرئ قتلة الشهداء؟ لم شمل من ورئيس الوزراء المصري المسكين لا يزال يصرح نفس تصريحاته في عهد مبارك ويكرر ما صرح به سابقوه ومن جاؤا بعده؟ لم شمل من وهم يخرجون ألسنتهم لنا في التلفزيون الحكومي والصحف الحكومية وميادين مصر ويؤكدوا ساخرين أننا بلطجية وجواسيس وعملاء ونريد إسقاط القوات المسلحة وهدم الدولة؟ جمعة لم الشمل ليست إلا رسالة إلى الخارج فقط. وهم يؤكدون لأنفسهم فقط الآن، وأمام المرآة، أن الداخل أصبح تحت أقدامهم!