يتميزون غيظا مثل المراهق الثائر، ويشعرون أنهم شربوا مقلبا مزدوجا بفضل الأجيال السابقة. ويزداد حنقهم حين يقع الطافرون في دائرة الاتهام بسبب الحالة المؤسفة التي وصلت لها البلاد. هم يشعرون أن الأجيال السابقة تصرفت في بلد ليس ملكا لهم وحدهم وقامت بالتخطيط دون استشارة الطافرين وهم في علم الغيب. ويبدو أن النتائج لا تعجب الطافرين (طب أنا راضية ذمتكو، دي نتائج ندخل بيها أي كلية؟ دي ندخل بيها مستشفي المجانين) ويبدو أنهم يشعرون بفقد الحيلة تجاه تغيير هذه النتائج، ولديهم شعور بأن شخصا ما ألغي الدور الثاني، وحالهم في هذا حال عوكل حين استيقظ من التابوت فوجد نفسه في مكان لا يعرفه، فطفق يلطم: «مين اللي جاب القلعة جنب البحر؟ أعمل إيه أنا دلوقتييييي؟». إلا أن الطافرين لا يميلون إلي بذل محاولات ليصبحوا «إيجيبشن سنكري» (كانت فرصة عوكل للنجاح في ذلك المكان أن يعمل سمكريا ويكوّن ثروة). فالأجيال السابقة تسيطر علي كل المداخل والمخارج ومواقع السلطة واتخاذ القرار، ومع مرور الوقت أصابت الطافرين حالة من «السخطة» والارتداد للطفولة، واستمراء ترك الأمر للكبار لأنهم «صغننين». لكنهم احتفظوا بغيظهم، وإمعانًا في التعبير عن غضبهم، قرر الطافرون الاستهتار بكل ما يمت للماضي بصلة، حتي وإن كان إنجازا وطنيا مشرفا. في البداية كانت: «ده جيل الهزيمة»، ثم تطورت إلي: «حتي لما عملوا النصر كان فيه ثغرة»، ثم اللغة، ثم الفن، ثم الشعر، ثم الأخلاقيات، ولم يبق إلا السد العالي (ربما يقرر أحد الطافرون: ده طويل قوي). كما أن عددًا لا بأس به من الجيل السابق ساهم في اللخبطة، وهدم كل ما كان إيجابيا ونقل صراعاته الماضية إلي الحاضر، وهي فرصته للانتقام لنفسه من احتقار الشرفاء له في الماضي لأسباب مختلفة، منها أكله علي الموائد، أو تفاهة موهبته في فترة الشباب نسبة لأقرانه، أو مواقفه الأمنية الدنيئة. إلا أن الشيب يعطي بهاء وجلالا ويمسح كل الخطايا السالفة، وحين تشيخ سنية جنح يناديها الجميع ب «يا حاجة». وإسهام «الحاجة» له نصيب الأسد في تغذية غضب الطافرين، خاصة أن الحاجة غالبا ما شغلت مناصب قيادية في الماضي وفي الحاضر وربما في المستقبل، وكانت ومازالت ولم تزل تجلس في الصدارة وتتقدم الصفوف، ولم تذق سنية جنح في شبابها طعم سجن أو منع أو نفي أو أي من أشكال الاضطهاد، وعندما منحت لقب الحاجة تحدثنا اليوم عن النضال، فما كان من الطافرين إلا أن انقسموا، بعضهم قال: المحاربون القدامي يقولون علي هؤلاء: الحاجة. والبعض الآخر قال: المحاربون القدامي دول منفسنين (غِلاويين يعني). وفي كل الأحوال، ما الذي يربط الطافرين بالماضي سوي الحاجة؟ ولماذا يحترمون ماضيا كانت تتزعمه الحاجة الكابسة علي أنفاسهم حتي هذه اللحظة؟ ثم إن صراعات الحاجة مع المحاربين القدامي جعلت الطافرين يرتبكون ويكرهون الحاجة والمحاربين القدامي في ذات الوقت، أكلوا دماغهم، وهم يريدون قولا فصلا. انجزوا. كان تنحي الجميع وترك الساحة للأجيال الجديدة صالحا منذ عشر سنوات، أما الآن، فعليهم تغيير البامبرز للأجيال التي سخطوها.