الحساسية المفرطة لها تفسير بيولوجي: صحتنا ضعيفة. الطافرون لهم سمات جسمانية لا داعي لذكرها حتي لا أحطم معنويات الشباب. خاصة أننا لا نسأل عن هذه الصفات، ليس لأنها خلقة ربنا، ولكن لأنها نتيجة الغذاء الذي لا يمدنا بفائدة غذائية، ويجعلنا نرتع في بحر من الهرمونات، والمجاري والرصاص المخلوطين ببعض مياه الشرب، والأسماك التي نمت وترعرعت في جو دافئ أسري من الصرف الصحي «نشرت أوتم أوزوسكي، العالمة الأمريكية، بحثا يؤكد تضاعف الثروة السمكية في مصر بسبب إلقاء الأسمدة والصرف الصحي في البحر، واعتبرت أوزوسكي أنها ظاهرة تستحق الدراسة، وذلك لأن المكسيك حين ألقت الصرف الصحي في البحر تسبب ذلك في موت الأسماك، إلا أنه حدث العكس في مصر.. طبعا، هو أي صرف صحي يا ماما؟ ده صرف الفراعنة». إلي جانب الهواء المعبأ بأدخنة ذات تركيبات كيميائية نادرة ما أنزل الله بها من سلطان. وبسبب هذه الحالة النادرة من التلوث المركب، تجد الشباب المصري يقفون فاغرين أفواههم أمام أبطال هوليوود: «سبحان الله.. ده بيجري... شايف الولية بتنط ازاي؟ عندهم صحة يا عم، بياكلوا كفتة..». الاجهاد المستمر ينمي بعض السلوكيات، أولا: يجبن المجهد بسهولة، لأنه يعلم أن طاقته الجسمانية لا تتحمل أي مواجهات. ثانيا: بسبب إرهاقه، يشعر دوما بضخامة إنجازاته مهما بدت بسيطة: «أنا مش قمت وفتحت لك الشباك لما قلت إنك مخنوق؟».. «ده أنا في البرد، والماتش شغال، وودني واجعاني، قمت، وجبت الموبايل من الصالة، وبعت لك رسالة بتلاتين قرش». والأخيرة جميل مركب، لأنها تشتمل علي مجهود بدني فائق إضافة إلي تكلفة مادية. وقس علي ذلك كل إنجازاتنا التي نتحدث عنها بحماس فإذا بالمحاربين القدامي يبتسمون بزاوية شفاهم مستهزئين. ونحن نأخذ علي خاطرنا، لأننا حساسون. «الأنيميا والإرهاق بيخلوا الواحد قماص وخلقه في مناخيره». نشأ وعي الطافر في ظل قانون الطوارئ، وعربات الأمن المركزي، والقبضة الأمنية الخانقة في فترة التسعينيات، والإرهاب الأمريكي العالمي، وشاهدوا بأعينهم الألعاب النارية الفسفورية في سماء أفغانستان والعراق وغزة، والأطفال المحترقة، والنساء الصارخات، وفيديوهات التعذيب، والعصي، والشلاليت، حتي أصبح ما تصوره له توقعاته المتخيلة لتبعات أي تحرك أكثر إيلاما مما يمكن أن يحدث في الواقع. ولأن وقوع البلا ولا انتظاره، فإن النظامين المصري والعالمي دأبا علي وضعنا، لفترات طويلة، تحت وطأة انتظار البلاء في جو من التهديد والوعيد، حتي إذا ما حان وقت إيقاع البلاء تلقفته لحوم نضجت وتفحمت وتأهبت للرقع بالصوت: يا دهوتيييييييي. شاهدت فيديو لعدد مهول من الشباب يحاول أن يقلب سيارة كورية الصنع، اشتهرت بخفتها، وبعد مجهود جبار، فشلوا في قلبها واكتفوا بتحطيم الزجاج. «ح تزعل قوي لو عرفت انهم من طلبة الكلية الحربية؟». يمكن إصلاح الوضع، ليس بتحسين الغذاء فهذا فات أوانه، ولكن بتحرير الطافرين من الخوف، إن أمكن، وإن كان لا ممكن أبدا، يبقي كفاية تقطيم. ملحوظة: إذا كنت تتوقع حساسية تبادلية، إنسي يا عمرو، حساسية الطافر فيما يخص ذاته هو، لكنه لا يتمتع بنفس القدر من الحساسية تجاه مشاعر الآخرين.. صحته ضعيييييفة.