ولد الطافرون في ظرف تاريخي حين اختارت القيادة السياسية انتهاج بعض السبل التي تجافي المتعارف عليه من الأخلاقيات والقيم المتوارثة. الحقيقة أنها ليست بعض السبل، بل كل ما هو دنيء، أو قاسٍ، أو خسيس، وكان لابد لها من تسويق هذا المنهج الجديد عبر أبواق تردد صباح مساء علي أسماع الناس منطقًا معوجًا لإقناعهم بأن التسول وظيفة، والنذالة تخطيط استراتيجي، والدناءة ذكاء، والقسوة عملية. من المألوف أن تجد اتجاهًا عامًا يبرر الاستقواء علي الضعيف والارتعاد أمام القوي، لأنه «ما هو طبيعي، ما هو الأضعف مش ح يعرف يعمل لي حاجة، لكن الأقوي ح يسود عيشتي»، وحين تصف هذا المنطق بالدناءة تأتيك الإجابة: «إفففف، والنبي بلاش كلام الستينات ده». لا أعرف بالضبط لماذا وقع الاختيار علي الستينيات؟ هل هو إكبار لمرحلة الستينيات وتوصيف ضمني بأنها مرحلة ازدهار الأخلاق مثلا؟ أم هو تحقير للأخلاق والقيم لانتمائها إلي الستينيات؟ إذا كان المقصود ب «الستينيات» الإشارة إلي العهد الناصري، فقد بدأ حكم ناصر منذ 1954، فلماذا استثنيت الخمسينيات من الوصم بالأخلاقية؟ ربما لأن الستينيات تميزت بالنساء اللاتي يضعن ثلاثة أطنان آي لاينر فوق جفونهن، آه، هو منظر استفزازي فعلا. ليس بالضرورة أن يتفق الطافرون في الآراء، إلا أن المنطلقات توحدهم، فمثلا، من الطافرين من يحب جمال عبد الناصر، لا لأنه بطل القومية العربية، وإنما لأنه كان «شديد ويدي أي حد بالجزمة»، ومنهم من يحب السادات، لا لحرب أكتوبر، ولكن لأنه «قال للعرب أمكوا في العش ولاّ طارت واداهم علي قفاهم»، منهم من يكره إسرائيل لأنها يهودية، ومنهم من يحبها، ولا تحتاج لسماع أسبابه فيكفي أنه يحب كيانًا عنصريًا غاصبًا، (و«كيان عنصري غاصب» دي بقي تتصنف كلام ستينات، فأحد إنجازات النظام الحالي: ظهور مجموعات بشرية تعلن بفخر احترامها للكيان الصهيوني)، منهم من يحب الفترة الملكية لأن «الباشا كان باشا والجرابيع كانوا عارفين مكانهم»، منهم من يعتقد بأن الفقراء مجموعة من الفشلة الذين لا يستحقون المساعدة، ومنهم من يساعد الفقراء لأنه لا يقبل أن يتساوي ب «هؤلاء»، فهو الكريم ابن الناس اللي ياي الفقرات صحبانين عليه موووت. ستجد من الطافرين من يحب أي شيء وكل شيء بدوافع مخزية، لكنه ليس محمود المليجي، بمعني أنه لا يقترف الشر وهو يضحك مثل الساحرة الشريرة، لذلك فهو يغضب حين يواجه بمثل هذه التهم (وزعلانين مني دلوقت عشان طلعت أسرار العيلة)، ثم إنه لم يُقدم له منهج مختلف في التفكير، هذه هي المنظومة المعتمدة في محيطه. سبق وأن ذكرنا الخوف. الطافر يعاني من كميات كبيرة من الأدرينالين، ولذلك فهو عدواني إذا تأكد أنه لن يصاب بأذي، ويطلق ساقيه للريح في المواجهة الحقيقية. بعض الطافرين متدينون، لكن لهم تفسيرات أخري للدين بحسب التي يمليها عليهم الدعاة الجدد، وأغلبهم يخلطون بين التعصب والتدين، تمامًا كما يخلطون بين الوطنية والعنصرية، وبين الحكمة والجبن. بالنسبة للنخوة، لم يقدم أحد الأخت نخوة لجيل نشأ وترعرع في بيئة أينما ولي وجهه وجد سيارة أمن مركزي تقف له بالمرصاد.