كنتُ أكتب قصيدة حب حين سمعتُ أخبار فض اعتصام مجلس الوزراء بالقوة. حين تحاصرني الحياة بأسباب الألم، كثيرا ما أدخل مأوى الشعر فأقدر على مواصلة الحياة واحتمال قبحها. حين سمعت أنباء فض الاعتصام حاولتُ إكمال القصيدة لأهرب من الأخبار التي ستتوالى تباعا. حين بدأتُ أقرأ الأخبار على صفحة كلنا خالد سعيد، رأيت صورة الطبيب الشهيد علاء عبد الهادي. آه من نظرة الشهيد وهو آمن مطمئن. لا أملك أن أمنع نفسي من التفكير في نظرة الشهداء قبل استشهادهم، شباب وادعين فرحين مبتسمين أمام البحر أو النيل، تشعر أنهم يفكرون في مستقبل جميل ويحلمون بحياة سعيدة وحب كبير. تأمّل نظرة الدكتور علاء الذي واظب على النزول للميدان ليسعف المصابين في المستشفى الميداني، في صورته التي نشرتها صفحة كلنا خالد سعيد، لا يبدو فرحا ولا مبتسما مثل سائر صور الشهداء، بل تحمل نظرته أسى ما، وحنانا ما، ورغبة في مداواة أي جريح في هذا البلد. تأمّل أيضا صورة الشهيد الشيخ عماد عفت، فكّر في ابتسامته الهادئة الحميمة الرقيقة، أشعر أن هذا الشيخ صديق قديم لي، وأنني جالستُه وفضفضتُ إليه كثيرا وقبّلتُ جبهته. تغالبني دموعي حين أرى هذه المحبة والصفاء تُقتل بهذه الوحشية ولا أدري ما الذي أقوله لمن يصف هذا الشيخ الملائكي بالبلطجي والمجرم. رحمك الله يا مولاي. ظللتُ أعاود قصيدتي أملا في إكمالها، حتى رأيتُ صورة الفتاة التي سحلها أوباش الشرطة العسكرية وأوسعوها ضربا وعرّوها. في هذا الفيديو ستلاحظ أن كائنا منحطا من الشرطة العسكرية يحاول أن ينزع من الفتاة بنطلونها. لا أتصور كيف لهذه المخلوقات أن تفعل ذلك بفتاة، وكيف يمكن لها أن تضرب الناس بهذه الهمجية. في لقطات أخرى يضرب هؤلاء المجرمون امرأة مسنة ويسحبونها من شعرها ويضربونها بالعصي. هذه اللقطات مشهورة وأظنك رأيتها، لكن ما بالك بهذه اللقطات لامرأة منتقبة يضربونها بهذا الشكل؟ http://www.christian-dogma.com/vb/showthread.php?p=1875396 الآن، نسيتُ أمر القصيدة والشعر والفن، الآن أفكر فقط كيف يحدث ما يحدث بعد رحيل مبارك، لكن هل رحل مبارك فعلا أم اتفق مع عساكره على لعبة "عسكر وحرامية"، فيمثل هو دور الحرامي في محاكمة سينمائية، ويمثلون دور العسكر مجرد تمثيل لا أكثر، لأن الروح العسكرية الحقيقية تأبى أن تنحط إلى هذا المستوى. أنْ تُدير بلدا يعني أن تكون قادرا ببساطة على احترام كافة التوجهات، وأن تحترم إنسانية الإنسان، وأن تتفهم أن الشعب يحمل في أطيافه من هو ثوري لأقصى درجة ومن هو سلطوي أيضا لأقصى درجة، وأنك حين تدير هذا الشعب يجب أن تنظم علاقتك بهؤلاء جميعا في إطار القانون الذي يسمح لك بمعاقبة من ينتهكه لكن دون الاعتداء على إنسانية الإنسان مهما كان مجرما. أن تدير شعبا يعني ألا تقتل 10 بني آدمين وتصيب أكثر من 440 وتعتدي بوحشية على النساء المسالمات، لتفض اعتصاما حتى لو كان المعتصمون أبالسة مجرمين (هؤلاء أنقذوا ما تبقى من المجمع العلمي المصري بينما يتهمهم الإعلام المصري بإحراقه!). من الطبيعي في أي مجتمع أن يكون فيه شباب ثوريون بدرجة كبيرة ربما أختلف معهم في مدى هذا الاندفاع الثوري، فقد كنتُ أفكر أن معركتنا الحقيقية هي معركة الدستور وانتخابات الرئاسة، لأن مجلس الشعب المنتخب سيسعى لمباشرة عمله وإعداد دستور جديد وسيحاول المجلس العسكري أن يتدخل في وضع الدستور للحفاظ على سلطته المطلقة، كما صرح بذلك بعض أعضاء المجلس؛ هنا ستشتعل المعركة الحقيقية وسأنضم فورا لصفوف الإخوان المسلمين الذين يشكلون أغلبية المجلس. أنا لم أنتخب الإخوان لكنهم يمثلون الآن جبهة سياسية تنتمي للشعب بوضوح في مواجهة جبهة العسكر التي تنتمي تماما لنظام مبارك لأنها جزء منه. كنا دائما نشكو من غياب قيادة حقيقية تقود الثورة وتنظم صفوفنا، والآن أتصور أن جبهة الإخوان داخل مجلس الشعب هي التي ستمثل هذه القيادة القادرة على الحشد حين يعارض المجلس العسكري أي قرار في صالح الشعب. مازلت غاضبا لأن الإخوان لم يشاركوا في مليونية 25 نوفمبر التي كانت -لو نجحت- ستُضعف تماما موقف الحكم العسكري المستبد، ومازلت أنتظر من أعضاء مجلس الشعب المنتخبين أن يتخذوا موقفا قويا من انتهاكات الشرطة العسكرية، لكنني رغم كل ذلك سأستجيب لدعوة الإخوان للتظاهر إذا حاول المجلس العسكري فرض إرادته السياسية "المباركية" عليهم. أتصور أن معركتي من أجل وطني، وهذا ما يجعلني أغضب من الإخوان ثم أنضم لهم حين يواجهون حكم العسكر. لهذه الأسباب كنت أفكر أن الأصلح لمصر الآن هو التهدئة حتى إتمام الانتخابات التي ستفتح صفحة جديدة في حياتنا السياسية، وتجعل مواجهة المجلس العسكري حقيقة ممكنة بدلا من ملايين الثوار المختلفين في الرأي، والذين لا يقودهم أحد. كنت أفكر أيضا أن الحملات الأمنية ضد الخارجين على القانون وضبط الأداء الأمني أمر مبشر يدعو للتهدئة وانتظار ما سيفعله الجنزوري الذي افتضح أمره وأمر صلاحياته كرئيس للبلاد، أو كسكرتير تنفيذي للمجلس. كنت أفكر في كل ذلك لكنني الآن مستعد للنزول في أي مظاهرة تندد بوحشية الشرطة العسكرية. أنْ تدير شعبا يعني أن تكون إنسانا قبل أي شيء. ملحوظة: سأتابع سلسلة مقالاتي عن ثورة مكتبة الإسكندرية، لكنني قطعتها بهذا المقال بسبب خطورة وفداحة الأحداث.