كنت أفكر في الكتابة عما يعانيه النقاد والصورة المشوهة للناقد عموما، عندما رأيت ما كتبه الصديق رامي عبدالرازق عن الموضوع نفسه في نفس هذا المكان منذ عدة أيام. وهو بعد أن ذكر بعض الآراء السلبية لبعض مشاهير الأدب والسينما في النقاد، أنهي مقاله بعدد من الأسئلة التي تحيره، والتي تعكس الإحساس الذي يصدره الفنانون إلينا بأنهم يتعبون ويبذلون الجهد والموهبة ليأتي ناقد كسول لم يبذل جهدا حتي في مشاهدة الفيلم وينتقد العمل بمنتهي الغطرسة.. وهناك رأي شائع بأن النقاد أشخاص فشلوا في أن يصبحوا فنانين لذلك قرروا أن يصبحوا نقادا، أما في مصر فهناك ما هو ألعن وهو أن كل ما تكتبه سيتم تأويله بشكل شخصي.. إما لأنك صديق الفنان الذي امتدحته، أو تقبض منه، وإما لأنكم تخاصمتم أو تأخر في إرسال «الظرف» إليك ولذلك هاجمته.. وأتذكر في بداية حياتي الصحفية أن سيدة مسرح كبيرة قالت أمامي، عندما ذكر اسم أحد النقاد المعروفين، «مين ده؟.. دا أنا أشتريه بعشوة».. أما بعض الفنانين فقد حاولوا فعليًا دعوتي علي العشاء أو أشياء أخري، ولكنني كنت أحرص علي تناول عدد كاف من ساندوتشات الفول قبل الذهاب للقاء أي فنان حتي لا يقول أحد منهم في يوم من الأيام إنه اشتراني بعشوة.. ومع ذلك فقد اتهمتني زوجة فنان معروف كتبت أن فيلمه لم يرشح للأوسكار كما يدعي بأنني أقبض من إسرائيل وسألتني في التليفون «قبضت كام من إسرائيل علشان تهاجمه؟» فضحكت وسألتها «بالشيكل أم بالدولار؟» فانطلقت في سباب بذيء قبل أن أغلق الخط في وجهها.. ومنذ أسبوع تلقيت مكالمة مماثلة من مسئول سينمائي «كبير» انهال عليّ بالاتهامات والشتائم لأنني انتقدته كشخصية عامة، فقلت له إنه رجل كبير السن والمقام (يفترض ذلك) ولا يصح أن أشتمه فأغلق الخط محبطا؛ لأنه علي ما يبدو كان يتمني أن أشتمه. والتعرض للمكالمات الشخصية البذيئة ليس أسوأ ما في المهنة، ولكن الأسوأ هو خسارة من كنت تعتبرهم أصدقاء أو فنانين كبارا لمجرد أنك انتقدت أحد أفلامهم أو قلت لأحدهم رأيا سلبيا في فيلمه.. حتي لو كان بينك وبينه! والأسوأ أيضا هو أن مستوي معظم ما يكتب من نقد وسلوك بعض من يمتهنون النقد يعطيان الفرصة للفنانين لطعن كل من ينتقد أفلامهم.. وفي النهاية ستجد نفسك مدفوعا إلي مسايرة الجو، وتخفيف حدة أرائك أو إخفائها كليا.. إن لم يكن لمصالح شخصية فمن أجل أن يتم الاعتراف بك كناقد «كبير»، أو علي الأقل حتي تتجنب الكراهية وتشويه السمعة، وأحيانا حتي لا تفسد علاقات رئيس التحرير أو رئيس الصفحة التي تعمل بها. وكل هذا وأنت لم تبدأ عملك النقدي بعد، الذي يحتاج إلي مجهود لا يقل عن جهد المبدعين، وإن كان يختلف عنه في النوع، كما سأحاول أن أثبت في مقال مقبل.