الثورة نور.. واللى سرقها خبيث يرقص ما بين شهدا وبين محابيس والدم لسه مغرق الميادين»... هكذا عبر الشاعر العظيم عبد الرحمن الأبنودى عن الأيام التى نعيشها، الكل يبحث عن مكاسبه ويهلل لفوزه أو يصرخ لخسارته وأصبحت مصر بعد الثورة لا تختلف عن مصر قبل الثورة سوى أننا غيرنا شعار الدولة من «من أجلك أنت» إلى «نحمل الخير لمصر»، ما بين الشعارات يختلف أصحابها بالقطع يوجد فرق كبير ما بين رجال الحزب الوطنى ورجال «الحرية والعدالة». ما يميز قيادات الإخوان هو سمعتهم الطيبة وسط الناس ونشاطهم الاجتماعى المعروف فى القرى قبل المدن أمام نفوذ عصابة الحزب المنحل، لكن القرب من الوصول إلى السلطة جعل من هؤلاء القيادات النابغة فى عملها الاجتماعى والنقابى وأصحاب الرؤية السياسية المعتدلة التفكير فى الوصول إلى الأغلبية التى ستسمح لهم بالكلمة العليا فى نظرهم من الآن وحتى قبل الوصول إلى ثلثى الانتخابات القادمة (المرحلة الثانية والثالثة) هو الهدف الأهم والحديث الدائم عن السيطرة على البرلمان. ووصل ببعضهم إلى التحضير للنقاط الدستورية التى ينوون فرضها، وعن رضاهم من عدمه على الرئيس القادم ونسى هؤلاء القيادات التى كنا نقدر كل مجهوداتهم السابقة دماء الشهداء التى أوصلتهم إلى كل المتعة والشبع السياسى الذى يمارسونه الآن، ولعلى لا أجد تصريحا واضحا لأى منهم عن الشهداء «كل تصريحات الإخوان على الانتخابات وحلفانهم بكل الغاليين الأحياء والأموات أن لا توجد صفقة مع المجلس العسكرى» الإخوان وتحالفهم نسوا أن كل دم طاهر أهرق على أرض التحرير هو ما أعطى قوة وجسارة لشباب الميدان للصمود أمام كل الحلول التى طرحها النظام السابق، لإنهاء ثورتهم حتى وصلنا إلى تنحى مبارك. الشهداء هم أبطال معركة ماسبيرو وأحداث ما بعد 18 نوفمبر هم النجوم المضيئة لكل ما نجده من فرح وسعادة لروعة الانتخابات التى كانت مدهشة للعالم (رغم كل الانتهاكات) لكن فجأة تسقط الكاميرا التى تركز على أبطال الثورة المصرية فتقع على رأس كل ثائر، وبدأت تكسر فى جمجمة خالد سعيد ومينا دانيال ويملأ غبار سقوطها ملابس علاء عبد الفتاح ويحاول أحمد حرارة بعين واحدة أن يرى مشهد سقوط الكاميرا ويدمع بعينه السليمة، إنه ما زال يرى هذا الجنون الذى تعيشه مصر، نرى عيون الأمهات الثكلى وهى تملؤها الدموع وحولهن المبالغ التى حصلوا عليها من صندوق اللواء الفنجرى، فهذا هو الثمن وكل ما حدث لا بد أن يُنسى. الكل فُرض عليه أن يركز فى الانتخابات.. الكل لا بد أن يركز فى كرسى البرلمان الذى يعطيه الكلمة العليا وننسى أبطال الثورة، فشهداء الميدان تم التعامل معهم مثلما تعامل مبارك ورجاله مع شهداء العبارة فى 2006 بعد أن هرب مالكها والتصريح بمبالغ التعويضات لأهالى الضحايا وذهبنا جميعا للمهمة الأعظم والأكبر والأشرف، وهى تهيئة الوطن كله لنهائى كأس الأمم الإفريقية باستاد القاهرة الذى سوف يحضره رئيس الجمهورية لتشجيع المنتخب حتى يفوز بالبطولة لنهديه إلى سيادته، وليعرف العالم أن مصر تعيش مرحلة تقدم رياضى رهيب. وكأن الشهداء، هذا هو دورهم فى مصر، أنْ لا بد أن يرحلوا بهدوء (مايوجعوش دماغنا مع موتهم) ونركز فى الكرنفال الذى نعيشه، فلا فرق بين نهائى أمم إفريقيا وكرنفال الانتخابات، المهم هو أن يفوز الإخوان بكراسى البرلمان لنهدى هذا الانتصار إلى السادة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وننسى شهداء مصر كالعادة حتى وصلت إلى اعتقاد، وقد يكون يقينا أن نسيان من ضحى بحياته ثمنا لحرية مصر هو عادة أخذناها مع الهواء الذى نستنشقه بسحابته السوداء، أو جرعة من الماء الملوث أو طعامنا المسرطن. أتمنى من شباب الإخوان -قبل الفرح بأى مكاسب وقبل أن يبدؤوا وضع القوانين التى يريدونها من نوابهم- أن يرموا بكل هذه المكاسب وأن يستنشقوا هواء مصر وهو ما زال مليئا برائحة دماء زملائهم فى الميدان.. بجد شىء يوجع!