لم يكن الوصول إلي تلك اللحظة التي شاهدنا فيها الرئيس المخلوع في القفص، حتي لو علي السرير النقال، سهلا ولا مفروشا بالورود، بل ان الشهور التي اعقبت احالته للجنايات طالت وبدا أمام الجميع وكأن هناك تواطؤا من أجل الحيلولة دونه ودون ان يلقي جزاءه بالقانون الذي سبق له ان تجاوزه كثيرا والقي به في الوحل. وقد استقر لدي ان تنفيذ القانون بكل الشفافية لم يتحقق إلا بالضغط المستمر والبطولي للمعتصمين في التحرير، سواء من أهالي الشهداء أو من باقي الفصائل السياسية من الثوار منذ موقعة البالون، وحتي قيام الشرطة العسكرية والأمن بفض الاعتصام بقسوة مفرطة يندي لها الجبين. اصارحكم القول انني انظر بإكبار واجلال للمعتصمين، الذين نزلوا في الأساس للوقوف والدفاع عن أهالي الشهداء - حتي لا ننسي - بعد موقعة البالون، وخاضوا معركة عنيفة استخدم فيها الأمن المركزي كميات لا بأس بها من القنابل المسيلة للدموع، كما تمتعنا بكليب العسكري الراقص بسيفه وسنجته وخلفه البلطجي يحميه.. وبقي الثوار في الميدان - حتي لا ننسي مرة اخري - وظلوا معتصمين يضغطون. وبصراحة لولا ضغطهم البطولي المتواصل لما حوكم المخلوع علي هذا النحو الشفاف، ولما تحركت الحكومة والمجلس العسكري لتشكيل وزارة جديدة، علي الرغم من كل سلبياتها، ولما أعلنت حركة الشرطة - علي هزالها - أو حركة المحافظين علي محدوديتها. باختصار.. ان كل ما نتمتع به من انتصارات نزهو بها هو ثمرة الجهد البطولي للمعتصمين. لم يهتز المعتصمون مثلا، من جمعة 92 يوليو التي نسي المتظاهرون خلالها الشهداء وأهلهم والمحاكمات وكل المطالب السياسية، وتفرغوا للدعوة للاسلام، وكأننا بلد كافر! واستمروا في سائر ميادين مصر، وأصبح مؤكدا ان الجميع سيغادرون بعد ان تذاع أول جلسة، ويشاهدون بأعينهم الرئيس وباقي القتلة في القفص وخاضوا قبلها معركة العباسية، وتعرضوا للاتهام بالعمالة والخيانة دون أي دليل - وحتي الان لم يقدم دليل واحد - واخيرا فقدنا أول شهيد في معركة العباسية، وهو ابن اسوان البطل ذو الثلاثة والعشرين ربيعا محمد محسن. هؤلاء المعتصمون في سائر ميادين مصر أصحاب أياد بيضاء، وتمتع الجميع بنتائج ضغطهم المتواصل، لذلك فإن ما عرضه الاستاذ يسري فودة في برنامجه آخر كلام في الكليب الشهير يندي له الجبين حقا كما اشرت، فقد تبادل عملاقان يرتديان الملابس المدنية »أي أن جهاز أمن الدولة لم يتم حله ولا حاجة« ضرب صبي صغير أعزل لم يقاوم مطلقا، وقاما بتبادل دهسه باقدامهم دون رحمة. والمؤكد انه لن يتم عقاب المجرمين، علي الرغم من هذا الدليل الدامغ، فهما يظهران في الكاميرا بوضوح ويرتدي أحدهما فانلة مخططة، والولد ذو الوجه الدامي من الضرب المتواصل ملامحه واضحة.. ومع ذلك سيتم حماية هذين المجرمين وسوف يفلتان من العقاب. والحال ان المعتصمين الأبطال، اخلصوا لقضية اخوتهم الشهداء، ولم يخرجوا من أجل مطالب فئوية والعياذ بالله، أو اجندات أجنبية »!!« واستمرارهم في الشوارع المحيطة بميدان التحرير يحاولون العودة للميدان مرة اخري، ظل حتي قبل ساعات قليلة من محاكمة المخلوع، واذاعتها علي الهواء مباشرة. انا لا ادعو هنا الي الفوضي واستباحة الميدان وتعطيل المصالح، واغلاق مجمع التحرير كان خطأ لن يتكرر، أما ان تحتل الشرطة العسكرية والأمن المركزي الميدان بدلا من المتظاهرين فهو ببساطة ضد القانون، بغض النظر حتي عن الثورة التي دفع فيها المصريون أرواح أبنائهم. وفي الوقت نفسه لا اتحدث عن ضوابط لاستخدام سائر الميادين، كل ما في الأمر ان القوي السياسية، بما في ذلك التيارات الاسلامية، عليها ان تتوافق حول اعتصاماتها وتظاهراتها التي هي حق لها وليست منَّة من أحد. بالطبع ليس معقولا ان يتمكن الأمن والشرطة العسكرية من منع جميع المظاهرات والاعتصامات، فهل النية اذن تتجه إلي منعها من ميدان التحرير فقط كرمز وواجهة أمام الأجانب؟! لن يتخلي المصريون عن حقوقهم بعد الثورة. هذه الحقيقة بديهية جدا فلماذا لا يفهمها المجلس العسكري والحكومة؟ لن يتخلوا عن حقهم في التظاهر والاعتصام السلميين ولن يتخلوا عن حقهم في المشاركة في صنع وطنهم وصياغة أمانيه. أما الشاب ذو الوجه الصبوح والملامح المصرية المتفجرة بالحيوية، محمد محسن، ابن أسوان، وابن مصر كلها فله كل الاجلال مع اخوته الشهداء الذين سبقوه، والعار كل العار للعملاقين اللذين سحلا صبيا صغيرا حتي أدمياه.