ظهرت رواية "ثرثرة فوق النيل" في عز مجد عبدالناصر, وفي وقت كان فيه الإعلام الرسمي يحاول ليل نهار أن يؤكد انتصار الثورة والنظام وانعدام السلبيات والأخطاء, فجاءت ثرثرة فوق النيل للتنبه إلي كارثة قومية كانت قد بدأت تطل برأسها علي السطح, وكان لابد أن يكون لها نتائجها الخطيرة, وكنت أعني بذلك محنة الضياع وعدم الإحساس بالانتماء, وهي المحنة التي بدأ الناس يعانون منها, خاصة في أوساط المثقفين الذين انعزلوا عن المجتمع, وأصبحوا يعيشون في شبه غيبوبة, فلا أحد يعطيهم الفرصة المناسبة للعمل والمشاركة, ولا هم قادرون علي رؤية الطرق الصحيحة, وفي المرة الوحيدة التي حاولوا فيها أن يعرفوا الطريق ارتكبوا حادثة رهيبة في شارع الهرم, ولاذوا بالفرار..هكذا ما قاله الروائي (نجيب محفوظ) عندما سألوه عن الهجوم الجارف الذي تعرضت له روايته وقتذاك. والآن قد نرى الرواية هذه المرة تروى ب"ثرثرة فوق الثورة" هذا بالضبط ما يمكن قوله على ثورتنا المجيدة، فنحن استكثرنا على انفسنا ان يكون مصيرنا بأيدينا نحن الشعب بعد غياب دام ستة عقود من الزمن ومنذ قيام ثورة يوليو 1952 عندما نجحت ثورة 25 يناير نجاحاً لم يتوقعه أحد..وبدلا من ان نختار طريق الاستقرار ورسم طريق المستقبل الذي سنسير عليه وتسير عليه اجيال قادمة بعد الثورة، اخترنا الثرثرة فقط ولاغير الثرثرة..! فعلى مدار 9 أشهر عمر الثورة المصرية للآن، ونحن نثرثر في الاعلام المقروء وفي القنوات الفضائية والاذاعات الحكومي منها والخاص لا استثناء لأحد، نعم كلنا مسئولون ونستحق مايجري لنا وما نفعله هو بمحض ارادتنا وبأيدينا وان شئت قل بفعل غبائنا، الكل مسئول المجلس العسكرى مسئول القوى السياسية مسئولة، فئات الشعب المثقفة ونصف المثقفة مسئولون.. كلنا كده على بعض مسئولون..فالكل ركب الموجة، واعتقد أو صور له خياله أنه بطل وثوري وأستطاع ان يغير ويخلع ديكتاتوراً متسلطاً دمر البلد على مدار ثلاثة عقود سابقة، هكذا اقنع نفسه انه هو من غير ومن خطط ومن خلع،وفتحت صحف العصر صفحاتها، والقنوات الفضائية والمحطات الاذاعية فتحت هواتفها،واختلط حابل الغث بنابل الثمين،ووضح ان المجلس العسكري بليد في الفقة السياسي، واقنع نفسه انه قادر ان يحكم ويدير شئون الدولة بفضل اعلامنا ونفخه المستمر في رجال المجلس صباحا ومساء،لتثبت الأيام انه كان مخطئا في قراءة الواقع المصري المدني، ليس بقدر اجادته لقراءة للواقع العسكري وشطارته في إدارة شئون الجيش، وهناك دلائل عدة على ذلك بإصداره بعض القرارات في غير اوقاتها بالمرة فإصدار القرارات السياسية لها موعدها ومدى تقبل الرأي العام لها، هكذا يؤكد الخبراء الاكاديميون في فن السياسة ومن يمارسها عدة عقود متواصلة.
فمثلا بدلا من ان يخرج ويهدىء من روع الشعب الثائر في كل ميادين مصر وشوارعها طلع علينا بقانون العزل السياسي، مديرا ظهره للازمة المشتعلة التي قد تكون أعنف من ثورة يناير نفسها، مواصلا فاصل الاخطاء المستمر..فأخطائه أكثر مما تحصى في الشهور الماضية، حتى شعر الشعب أن المجلس يقود ثورة معاكسة..!، واذا كانت هذه اخطاء المجلس فإن اخطاء القوى السياسة أشد وأمر بل ولعبت الدور الأبرز في الأزمة الدائرة، خاصة تنظيم الإخوان المسلمين والمستفيد الأول من قيام الثورة ورحيل النظام السابق، ولأنهم منظمون ومخضرمون في قراءة الواقع المصري بفضل خبراتهم الممتدة على مدار مايقارب القرن من الزمان، فعملوا على توجيه الثورة لمصلحتهم،وبذكاء ليس بغريب عليهم لم يقدموا أياً من الوجوه الاخوانية للترشيح للرئاسة، وأنصب تركيزهم على تقديم كافة عناصرهم للترشح للبرلمان القادم بهدف حصد الأغلبية والسيطرة عليه..! ومن ثم اذا كان المجس التشريعي بأيدهم فسهل بعد ذلك أن يدفعوا برئيس منهم يقود البلاد، وأنا هنا احترم تنظيمهم وقراءتهم الجيدة للواقع.. لكن لا احترم ابدا انتهازيتهم والصعود على اكتاف من قادوا الثورة من شبابنا، فالإخوان هم أنفسهم الذين وافقوا على وثيقة السلمي فور الإعلان عنها ..وهم أنفسهم من رفضوها عندما رأوا ان اغلبية الشعب الساحقة ترفضها، والاخوان هم من تواروا عن الانظار في ايام الثورة الأولى ولم يقع منهم شهيد واحد يوم 28 يناير الدامي، وعندما تحسسوا أن الأمور تسير فى غير صالح النظام البائد سارعوا بحشد انصارهم ونقلهم بالاتوبيسات والميكروباصات من المحافظات لقلب الميدان.....!،والإخوان أنفسهم من تركوا الثوار الحقيقين الآن يواجهون قوات الأمن بصدورهم العارية وغابوا بل صمتوا تماماً عما يجرى ..لأنهم ينتظرون الانتخابات بلهفة.
أنا لست ضد الاخوان بل ضد من يحقق المكاسب على حساب الشعب ويدفع بنا للأزمة تلو الأزمة ..أما الأخطاء التي لاتغُفر ولاتغتفر مانشاهده صباحا ومساء على شاشات الفضائيات من فئة تطلق على نفسها"النشطاء سياسين" وتأجيجهم لمشاعر الملايين من الشعب دون أن ينصحوا شبابنا بما يجب أن يقال في حالة شعب ثائر فلاثمة غرابة أن تجد مداخلة من شادي وفادي وسوسو وتوتو ومامي وبابي.. تحت اسم ناشط سياسي أو ناشطة سياسية فاللقب ببلاش ويمكن الحصول عليه بمجرد مرورك بشارع محمد محمود وبإلقاء نظرة على الميدان..!، فالله تبارك وتعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام، إذن التغيير يحتاج لسنوات وليس شهوراً وكان يجب توعية الشعب من البداية من قِبل وسائل الإعلام بضرورة الصبر والتريث، لكن يجري العكس يومياً، وكما في الفضائيات في الصحف الحكومية والخاصة، وينساق البسطاء وراء كل خطيب حنجوري مفوه، وكل صاحب قلم يطلق لخياله العنان باصطناع البطولة، وهذا وذاك في مكاتبهم وليست لديهم القدرة للتظاهر ولو مرة واحدة ومواجهة عصا الأمن الغليظة التي تواجه الشعب وكأنها في حالة حرب مع العدو.. واذا كنا استعرضنا اخطاء كل الاطراف فتبقي أخطاء الداخلية الأكثر فظاعة وتأثيرا بعدما سالت الدماء في يناير وفبراير والآن تسيل في نوفمبر ومن يدري هل ستسيل بعد ذلك في الشهور القادمة، فأخطاء الداخلية التي ارتكبت منذ بداية الثورة وللآن بمثابة جريمة كاملة الأركان يستحق عليها من في هذه الوزارة المحاكمة.. فهل من مجيب أو سامع أو مطيع أو يريد مصلحة البلد؟.