أمر صعب أن أكتب عن ثورة أعيشها بكل جوارحي. حين تثور، فأنت تحلم وتغامر وتضحّي وتقاتل (ولو بسلاح المبادئ) وتغني (ولو بلحن الغضب). حين تثور لا تجد وقتا للكتابة عن ثورتك، لأن الزمن الذي تستعيد فيه كرامتك جدير بألا يضيع في الكتابة، هذا الزمن يجب أن تعيشه كاملا وأن تتنفس فيه حريتك لحظة لحظة. مع ذلك أشعر أنني ملزم بالكتابة عن ثورة مكتبة الإسكندرية لأنها ثورة ظلمها الإعلام الفاسد؛ الإعلام الذي قامت ثورتنا لتطهره من فساده، لكن السيد شرف اختار أن يواصل طريق أسلافه من رؤساء الوزارة في عهد مبارك، فاختار أسامة هيكل وزيرا للإعلام؛ الرجل الذي كتب يوم 24 يناير مقالا يهاجم الثورة التي يتمسّح فيها الآن بلا خجل. السيد شرف والسادة العساكر يظنون أن قوانين الحياة في مصر ستظل كما كانت، وأن المصريين سيقبلون أن تفرض الحكومة عليهم نفس الأساليب والمبادئ السابقة، لكنهم لا يدركون أن مصر تغيرت. هل تعرف صديقي القارئ أن من القوانين المهمة التي يقدسها الظلمة أن الشعب غبي وينسى بسرعة ويمكن استغفاله ببساطة؟ ما رأيك في هذا الخبر الذي نشرتْه مواقع وصحف مختلفة أبرزها الوفد بتاريخ 22 سبتمبر الماضي: "أكد المهندس حمدي الفخراني رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد أن رئيس الوزراء د.عصام شرف قام بالتمديد ل94 ألفا من كبار موظفي الجهاز الحكومي كل واحد فيهم تتراوح مرتباتهم ما بين 80 ألف جنيه و400 ألف جنيه و2 مليون و4 ملايين في الشهر الواحد، متسائلا عن كيفية تغيير البلاد ولم يتم وضع حد أقصى وأدنى للأجور وحكومة الثورة تصر على إهدار أموال الشعب." الآن يصرخ شرف من الاعتصامات التي تعصف بالبلاد. دعنا نفكر في هذا الأمر بهدوء: لماذا نزل ملايين المصريين للشوارع يوم 28 يناير وما بعده؟ ألم يكن من أهم شعاراتهم: العدالة الاجتماعية وتطبيق الحد الأقصى والأدنى للأجور؟ ما الذي يتوقعه السيد شرف الآن من المصريين حين يكتشفون فجأة أنهم خُدِعوا في رئيس وزراء جاء من التحرير ليناقض مطالب التحرير نفسها؟ ما الذي تتوقعه قيادة البلد من المواطن المصري البسيط الذي تحمّل أعباء الثورة وخسائرها الاقتصادية، ومشى في المظاهرات الأولى التي سقط فيها شهداء ومصابون ليحرر البلد من الفساد وليعيش حياة أجمل، ثم يكتشف أنه مازال يتقاضى ملاليم وأن الحرامية الكبار لا يزالون يتقاضون عشرات ومئات الألوف من الجنيهات؟ تاريخيا، السيناريو المتوقع هو ثورة جياع تسيل فيها أنهار من الدماء ويتم فيها تدمير الكثير من مكونات البنية الأساسية للدولة المنهكة أصلا. لكنني مازلت أراهن على الروح الحضارية العظيمة الكامنة تاريخيا داخل قلب ووعي الإنسان المصري الغلبان، من الطيبة والسلام وحب الحياة. الغريب حقا أن السيد شرف والسادة العساكر والدكتور سراج الدين أيضا مازالوا مصرين على أن هذا الشعب لن يفعل شيئا! طيب سأعود إلى ثورة مكتبة الإسكندرية، لأنني كنت أقول لك إن ثورة المكتبة ظلمها الإعلام الفاسد لأنه في البداية حاربنا وأصر على تشويهنا واتهامنا كما شوّهنا واتّهمنا إعلام مبارك أيام الثورة؛ فإعلام مبارك قال إن الإخوان هم من سيحكمون مصر وهو الآن يقول إننا سلفيون نريد إغلاق مكتبة الإسكندرية بسبب دورها التنويري، والمضحك أن الدكتور سراج الدين يردد هذا الكلام في هولندا وإسبانيا وستجد تفاصيل كلامه في مقالي السابق، الدكتور يردد هذا الكلام رغم أنه لم يتوقف أبدا عن التشدق بلبانة سمعة المكتبة والإساءة لسمعة المكتبة ومصر أمام العالم. إعلام مبارك كان يقول دائما بأننا موقفين حال البلد ومفسيّين عجلة الإنتاج، وهذا ما يقوله إعلام الدكتور سراج الدين: نحن السبب في إغلاق المكتبة رغم أن السبب في الحالين كان السلطة الظالمة، فمبارك كان يجب أن يرحل منذ أول يوم في الثورة لأنها كشفت سقوط شرعيته، وكذلك الدكتور سراج الدين الذي تثبت مقاطع الفيديو الخاصة بأول يوم من ثورتنا (26 أكتوبر) أن عددا هائلا من العاملين يطالب برحيله، كما جمعنا منذ أسبوع 1651 توقيعا من العاملين المطالبين برحيله، وسلمنا نسخة من التوقيعات للمجلس العسكري وعرضنا الأوراق أمام الصحفيين بالمكتبة، فأصر الدكتور على البقاء مع ما يترتب على بقائه من اضطراب وقلاقل بالمكتبة. يتهمنا إعلام الدكتور سراج الدين بأن وراءنا أيادي خفية وأنا أضحك من الغباء في اجترار الاتهامات كما فعل إعلام مبارك دون أي تعقل. كان إعلام مبارك يردد بأن مبارك هو مصر وهو بطلها الذي إذا تركها ستنهار تماما، ويردد إعلام الدكتور سراج الدين بأنه صانع أمجاد المكتبة، ونحن نتساءل: من الصانع الحقيقي لأمجاد المكتبة: العاملون الكادحون أم السيد المدير الذي يسافر خارج البلاد بمعدل ثلاث مرات شهريا. يردد هذا الإعلام أيضا بأننا نعطل العمل بالمكتبة ونتسبب في إغلاقها، وحين يسمع زملائي هذا الكلام يقولون: نعم لنفترض أننا سوف نتسبب في تعطيل العمل بالمكتبة أسبوعا آخر، لكننا في مقابل ذلك سنحميها بشكل دائم من إهدار الملايين ومن الفساد الإداري المقزز بها، ومع ذلك يتساءل الدكتور سراج الدين والذين معه من المديرين: هل لديكم مستندات تثبت الفساد؟ أقول لهم بأننا نملك ما هو أثبت من المستندات، نملك حكما قضائيا صادما يتهم الدكتور سراج الدين بإهدار الملايين من المال العام، فقد نشرت الصحف المصرية في يوم 28 مايو الماضي حكم محكمة القضاء الإداري الخاص بإدخال العاملين المثبتين بمكتبة الإسكندرية للهيكل الإداري للمكتبة حيث ظلمهم الدكتور سراج الدين بطردهم من الهيكل الإداري ونفيهم بمقر المكتبة بالشلالات دون أن يكلفهم بأي عمل مع دفع مرتباتهم التي كلّفت المكتبة أكثر من 20 مليون جنيه، علما بأنهم مؤهلون تأهيلا علميا ممتازا. وقد نص حكم المحكمة بأن في ذلك إهدارا للمال العام مما يثير المسئولية القانونية للدكتور سراج الدين. هناك أكثر من 65 بلاغا في نيابة الأموال العامة منذ فبراير الماضي لكنها مجمدة في النيابة لم تصدر أي حكم إزاءها ولو بحفظ البلاغات، فما سر هذا السكوت العجيب من النيابة؟ هناك أوراق ومستندات لدينا تثبت الفساد الذي نتحدث عنه لكن نيابة الأموال العامة حتى الآن لا حس ولا خبر. الدكتور سراج الدين والذين معه لا يريدون أبدا أن يدركوا أن الشرعية أصبحت للشعب وأن الكلمة كلمتنا. لذلك تجد الدكتور سراج الدين يصر على استمداد قوته وسلطته من السلطة الأعلى منه في هرم السلطة المقدس الذي أسقطناه يوم 25 يناير. مثلا: استند الدكتور سراج الدين إلى تجديد الثقة من الدكتور شرف لمجرد أنه أعلى في هرم السلطة رغم أن المكتبة لا تتبعه في شيء، كما استند لقرار مجلس الأمناء الذي اجتمع لحل الأزمة دون أن يسمع منا كلمة واحدة، ثم ارتكز الدكتور سراج الدين على الكذب (وفقا لما نُشر في وسائل الإعلام الغربية) واتهمنا تهما شديدة السخافة، بالتوازي مع حملة أخرى مصرية على ذات المستوى من الكذب والافتراء. صديقي "السابق" الشاعر الطليعي التقدمي محمد الحمامصي، الذي عرفته من خلال أصدقائي بإدارة الإعلام بالمكتبة، وكانت تغطياته الصحفية لأنشطتنا الشعرية بالمكتبة جميلة مخلصة، صديقي السابق فوجئت به ينشر مقالا على موقع إيلاف يفتري علينا افتراءات لا حدود لها، مثلا: هل ينتظر المجلس العسكري وحكومته جلوس الإسلاميين على سدة الحكم وأن يخرج برلمانهم القادم ليطالب بهدم المكتبة وإقامة مسجد بدلا منها، يبدو أن الأمر كذلك، فالسلفيون حول مكتبة الإسكندرية المدعومين والمحرضين من قبل بعض الأفراد داخل المكتبة المعروفين بتوجههم المتأسلم المتخفي، قد يقررون المطالبة بتحويل مركز الفنون إلى مسجد، وتحويل وحدة الدراسات المستقبلية باعتبارها تقرأ الغيب إلى قاعدة للدروس الدينية أو معهدا لتخريج المزيد من شيوخ السلفية كما يحدث في المنصورة حيث يتخذون مسجدا كمعهد لتخريج قادة سلفيين من خلال دورات تمتد إلى ثلاثة أشهر، وتحويل وحدة علم الاجتماع الديني أول وحدة عربية لدراسة الظاهرة الدينية لقاعة لتحفيظ القرآن الكريم، وتحويل متاحفها لقاعات للاعتكاف بعد تطهيرها من المنحوتات والآثار الفرعونية باعتبارها أصناما وأوثانا وحرق اللوحات العاهرة والمجسدة التي تضمها معارضها الدائمة، وإلقاء القبة السماوية إلى البحر باعتبار أنها تعرض أفلاما علمية مخلة بالعقول!!." حين قرأت هذا الكلام حاولت الاتصال به فلم يرد، فأرسلت له رسالة على الموبايل قلت له إنني لا أصدق أنه كتب عنا بهذا الشكل وقلت له بأننا لو كنا أصدقاء حقا فسأنتظر أن يتصل بي، فلم يتصل. وفقه الله. الدكتور سراج الدين والذين معه لا يتعلمون شيئا من التاريخ.