هتفوها وهتفناها معهم وكان مضمونها على لافتاتنا الساخرة التى كتبناها ونحن نستعد للنزول فى جمعة تصحيح المسار يوم 9 سبتمبر بالتحرير . لكن الإعلام فضل أن تكون التغطية لما اعتبره أكثر إثارة وأقصد تحرك مجاميع من المتظاهرين إلى السفارة الإسرائيلية لهدم الجدار ( كأننا نتشبه بأعدائنا فى مشروعات الجدران العازلة التى يبنيها الكيان الصهيونى فقط ضد الأعداء , لا ضد شعبه ) فتخرج دراما إنزال العلم الإسرائيلى ورميه من أعلى العمارة إلى الأرض اقتصاصاً رمزياً كان مكبوتاً طوال سنوات حكم تراه الأغلبية العظمى من المصريين خائناً ذليلاً التزم الخرس كل مرة كان الإسرائيليون يقتلون فيها جنوداً مصريين على الحدود بعد معاهدة كامب ديفيد التى لم يستشر فيها السادات الشعب المصرى ( دعونا من هزليات الفصل الواحد فى ما أسموه بطرافة " مجلس الشعب") ولاحقاً استجدت معاهدة الغاز المصرى لإسرائيل بأبخس الأسعار لصالح الملياردير حسين سالم وعمولته وأولاد حسنى مبارك الذين يرفلون فى الأبيض داخل قاعة المحكمة كملائكة ضلت طريقها . فى الحالتين , كان الشعب " غير موجود يا افندم " ! . كانت المشنقة منصوبة ومدلاة مرة ثانية من أحد أعمدة إشارات المرور فى أجمل ميادين العالم , التحرير . منذ أشهر قليلة كان بداخلها دمية كتب المصريون عليها " مبارك " وهى تتدلى من نفس المكان , بجوار لافتاتهم المطالبة بإقالة فاسدين بلا حصر فى دولة ونظام كان المصريون يرونهما منكفئين على نفسيهما لصالح إسرائيل وأمريكا ومصالحهما المرتبطة لزاماً بمصالح الحاشية الحاكمة والطبقة التى قام نظام مبارك بتخليقها ورعاية توحشها وسط عولمة فاحشة فى المجتمع وحالة من السيولة , رغم كل أجهزة أمن الدولة الباطشة , لكنها ظلت سيولة فى مشاعر الناس ورؤاهم تلحظها حين ترى خطواتهم البطيئة المنهَكة فى الشوارع , بدبيب اليأس اللافح الذى يريد لنا النظام السابق أن نعود إليه , تعباً وسأماً من المطالبة بحقوقنا , وفى المقابل , بطء أو عدم الاستجابة لتحقيقها . نعم , كانت مصر فى شعور الغالبية العظمى من المصريين دولة رخوة يرونها مريضة بمرض مستعص غير قابل للشفاء , حتى هبت الثورة التى بللت العروق الجافة فى الجسد المسجى , حدثت المعجزة وخرجنا من الغيبوبة التى فرضها علينا نظام صفوت الشريف وزكريا عزمى والعادلى وأحمد عز وفتحى سرور .. كأنما كانوا جميعا ًيحقنون الشعب ليل نهار بالمخدرات ( لا أعلم نسب تعاطى المواطنين بشرائحهم المختلفة للمخدرات , لكنى أرى هؤلاء فى الشوارع طوال الوقت وفى كل مكان صدفة وقابلت بعضهم ممن اعترفوا بذلك , من الطبقات الشعبية وسكان العشوائيات وهم يشاركوننا التظاهر أيام الثورة قبل التنحى ) . كيف يتصور المشير وقاضى محكمة مبارك والعادلى وغيرهم من كبار المسئولين أن الوضع سيكون حال صدور أحكام بالبراءة على قتلة الشعب ؟ . أراها ثورة ثانية لا تنظر أمامها ولا تلتفت وراءها . الجموع ستزحف للثأر بيديها على أى مكان تظن أن المخلوع تمت تخبئته فيه . أنصار النظام السابق الذين يخنقوننا فى كل المؤسسات , حتى داخل جرائدنا الحكومية سيستأسدون أكثر , الانتخابات الداخلية فى أى مكان كانت عناصره يتم تعيينها بموجب ملفات أمن الدولة , سوف تفسد وتُزَور . السياحة ستسقط فى هوة والمظاهرات ستعم كل شوارع مصر , وسنعود موحدين على قلب رجل واحد كما كنا نقول ونشعر فى يناير الماضى , لكن الفوضى ستعم البلاد . هل يريد صانع القرار هذا ؟ . هل يريد القاضى هذا ؟ . هل سيكون ضمير القاضى مرتاحاً وهو يصدر حكماً بالبراءة على من يعرف , داخليا ً, بقلبه ووعيه كإنسان , أنه مسئول مسئولية مباشرة فى موقعه كصانع قرار وقتها وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة عما سال من دماء المصريين ؟ هل يرتجى القاضى من يأتى ليقول " سمعت المكالمة الخاصة بين مبارك ووزير داخليته بأمر إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين " ؟ . كيف سيبرر القاضى لضميره الشخصى إصداره لحكم يخالف الواقع لمجرد الافتقار للأدلة التى يعلم هو , قبلنا , من صاحب المصلحة المباشرة فى إتلافها , وقد علمنا أنه كان لدى المتهمين من وقت وتمكن وأساليب الوصول لتلك الأدلة ما أتلف أكثر الأحراز فعلاً كما أفادت الصحف ؟. لماذا تجرى المحاكمة ؟ هل لاستصدار براءة مسبقة لا يصدقها حتى أنصار المخلوع الذين يدفعون بحق الحاكم فى ما أسموه " الدفاع عن النفس "؟, التعبير الحركى للبقاء فى الحكم , أم لإسكات الجماهيرالمطالبة بالمحاكمة ؟ . لأن الجماهيرشبعت وملت واكتفت من التمثيليات , هىلم تقم بثورة لتظل تلعب دورها المستسلم لنتائج التمثيليات الكبرى كتزوير الانتخابات وتغيير أحكام الإعدام إلى البراءة على أناس مثل القاتل المحبوس هشام طلعت مصطفى( قضية سوزان تميم ) والحبيب العادلى ومحمد حسنى مبارك . الجماهير تمردت على دورها فى المسرحية التى طالت بلا متفرجين سواها .. جماهير تتفرج على نفسها تُغتَصب . هى البطل والنظّارة فى نفس الوقت .هى الضحية وهى التى عليها التصفيق ! . المنتصر فى الدراما المقلوبة هو المستفيد , هو البطل الضد , أى فريد شوقى ومحمود المليجى وصلاح منصور , أشقياء يتبجحون بلا ندم أو توبة . لكنهم بأيادٍ غير ملطخة , على العكس من مبارك والعادلى , بأية دماء , عدا السينمائية . لم أقل أنى شخصياً كمواطنة أؤيد حكم الإعدام على مبارك أو أريد تنفيذه لكن أؤيد حكماً رادعا قوياً بالإدانة عليه مع عدم التنفيذ لدواعى السن , ويمنعنى ضميرى أن أقول ما الحكم الواجب على العادلى , لكن كلما قابلت أهالى الشهداء , وكل مرة أقابل وجوهاً جديدة منهم كما حدث فى جمعة تصحيح المسار , هذا أب لطفل فى الثالثة عشرة كان يمسك بيد ابنه عائداً به من درس خصوصى كما حكى , وهذا شقيق لمدرس قتلته الداخلية وهو يفدى حياة تلميذ له وآخر شقيق لشهيد ناله الرصاص الحى ونال شقيقه الشهيد رصاصاً خرطوشياً وغيرهم , كلما أقابلهم صدفة , يصرخ ضميرى وقلبى , من قتلهم يا من تنكرون الآن أية مسئولية عن قتلنا وإصابتنا وإعاقتنا ؟ . هل يمكن أن يغير الفريق سامى عنان تصريحه الذى أدلى به لأحد المواقع الإخبارية ونقلته عنها جريدة الوفد المصرية منذ أشهر بأن ثمة محاولة كانت جرت لاغتيال السيد عمر سليمان رجل الاستخبارات القوى الذى تفضله إسرائيل رئيساً وخلفاً للمخلوع , فى الأيام الأولى من الثورة وأن مبارك أمر الجيش بسحق ميدان التحرير ؟ . من أطلق علىّ الغاز المسيل للدموع لأقع به مع غيرى مرات يوم 28 يناير ومن أطلق خراطيم المياه على المصلين أمامى والرصاص الخرطوشى على الوجوه والصدور كما كنت أقوم بالتصوير ذلك اليوم كلما سنحت الفرصة وأنا , للأسف , أنصح المصابين بعدم الذهاب للمستشفى حيث عرفنا وأفادت الصحف بخطف عناصر أمن الدولة لجرحى المظاهرات من مستشفى معهد ناصر ؟ . من أطلق الرصاص الحى الذى كانوا يطلقونه علينا من مبنى وزارة الداخلية قرب ميدان التحرير يوم 29 يناير ؟ .يومها أخبرنى أحد المحامين بجانبى لا أعرفه ونحن بالميدان " صوت الرصاص الحى , مش عارفاه ؟ " . كان المتظاهرون يحملون الرصاص المطاطى و الرصاصات الحية التى استخرجت من أجساد رفاقهم ويدورون بها وسطنا . من قتل متظاهرى الإسكندرية والسويس ؟ . لماذا فرحنا مساء 28 يناير حين وردت أنباء ونحن أمام دوران شيراتون القاهرة بخبر كتيبة الأمن المركزى التى رفضت إطلاق النار على متظاهرى الإسكندرية ؟ . أين ذهب الضابط الذى شاهدناه على فضائية الجزيرة يصوب رشاشه الآلى على صدر مواطن فتح الجاكيت ودار نصف ثانية مستعرضاً كونه أعزل ورغم هذا كان مستعداً للاستشهاد فلم تمنع هذه الشجاعة الضابط من قتله , لعلها استفزته فرأيناه يقتله .. ولولا كاميرا الموبايل لفتاة فى شرفتها ما رأينا عملية القتل بدم بارد فى أحد أحياء الإسكندرية ؟ . أين ذهب القناصة الذين بُحت أصواتنا من حتم الكشف عنهم , والذين من بين ضحاياهم ( بعد التصويب بالليزر )سائق الناشطة السياسة بثينة كامل فى سيارتها ؟ . العادلى يُكذّب شهادة الشاهدين الثامن والتاسع فى قضية قتل المتظاهرين وهما من رجال الداخلية . الشعب لا يصدق إلا شهادتى الشاهدين الثامن والتاسع . بقية الشهود الذين تحولوا من الشهادة " ضد " إلى الشهادة " مع " لا يصدقهم الشعب . يبدون لى خائفين من انتقام ما حال شهادتهم ضد العادلى ورجاله , الذين يستشعر هؤلاء الشهود ( الزور فى نظر أكثرية المواطنين ) أنهم يدينون ب " فضل" ما لوزيرهم , أو يخشون بطشه وهو داخل السجن . لا يريد أحد منهم أن يكون وحده المسئول عن لف حبل المشنقة على عنقه ويعلمون أن كل ضباط ومديرى أمن الصفوف الثانية والثالثة فى الداخلية , كما فى كل المواقع بمصر لم وربما لن يُحاسبوا , فلماذا , قد يكون هذا منطقهم , تتم محاسبته وحده نائباً عنهم ؟ .لم نسمع عن تفعيل قوانين حماية الشهود لدينا بعد وتم نقاش الموضوع بطريقة شكلية عابرة فى إحدى القنوات الخاصة , بعدما غيّر الشهود شهاداتهم . وربما يوجد شئ أخطر . ربما يرون أن إرادة صانع القرار هى إصدار أحكام البراءة فمشوا مع تلك الإرادة. قبل تنحى مبارك كنت كلما أرى ملصقات بصور الشهداء فى الميدان أبكى وأصرخ بهيستيريا فى وجوه عمداء الجيش وجنوده أمامنا ب " الإعدام للسفاح " ويديرون وجوههم بموجب تعليمات بعدم الاحتكاك وضبط النفس مع المدنيين . واحد من الجنود حين قلت له , بهدوء قبل التنحى : " حرام " , رددها مؤيداً وهو ينظر فى وجهى , ثم نهض مغيراً مكانه . يتعطل شعورى وأنا أتخيل مشهد الخروج السرى للمتهمين فى قضية قتل المتظاهرين , يتم تهريبهم من المحكمة , وكما قال لى رجل بسيط أمس فى المليونية أنهم لن يحكموا على مبارك , وربما العادلى " يشيلها " بالتعبير الدارج ولكن الكل سيتم تهريبه لخارج البلاد , لنسكت . فهل نسكت ؟ . ألن أتمنى وقتها من يتعقب " الأبرياء " ليدس لهم السم , ألن يتمرد المصريون على محاولات تخديرهم السابقة وإدخالهم القسرى فى السيولة والتيئييس ؟ . ألن نكون قد عرفنا نتائج الانتخابات المقبلة التى نثق إلى أين يوصلنا قانونها الجديد بدوائر تقسيمها الجغرافية على أية حال ؟ . والسياحة , والبورصة , والأمن , هل سنحقق شيئاً فى أى منها لو أفلت المتهمون , بأموالنا , وبسمعتهم وحياتهم إلى الخارج ؟ . ماذا ستفعل بنا عناصر الحزب المنحل فى كل المؤسسات وهى التى ما زالت تدفع الشباب فى الجامعة والمحامين فى القضاء إلى الإضراب عن الطعام للتخلص منها ومن ظلمها بعد الثورة , كما كانوا يدفعونهم إلى إحراق أنفسهم أحياء أمام مجلس الشعب أو الغرق فى مراكب لا تتحمل أعدادهم الساعية إلى الهجرة غير الشرعية قبل الثورة ؟ . ماذا سنفعل لو أخرجوا مبارك والعادلى والشريف وغيرهم من السجن , بوصفهم مواطنين محترمين وأبرياء ؟ .