اتفاق: لنتفق أولا أن الله تبارك وتعالى أعلم بالخلق من أنفسهم، وأنه حين أنزل في القرآن الكريم حدودا لعقاب المفسدين واللصوص والقتلة؛ كان يعلم بعلمه المطلق لما هو آت من الزمان أن سيأتي على الناس زمان يستكثرون فيه عقوبة القتل على القاتل، وأن سيأتي زمان يطلب الناس فيه إلغاء عقوبة الإعدام، ويتشدقون بحقوق الإنسان إن أقدم الحاكم على قطع يد سارق أو أعدم قاتلا، ويصفون الدين بالعنف والدموية والإرهاب إن طالب أبناؤه بتطبيق عقوباته على مرتكبي الجرائم. مجرد تساؤل: لنتناول مثلا ما ارتكبه حاكم مصر (السابق) في حق شعبه، حاكم ليبيا (السابق) في حق شعبه، وما ارتكبه حاكم سوريا (الحالي) - عقبال ما يبقى سابق قريبا – في حق شعبه، وما ترتب على تصرفات حاشياتهم ووزرائهم ولاعقي أحذيتهم مع شعوبهم من فساد وإفساد وقتل وتنكيل واعتقال وقطع أرزاق وتضييع ثروات، وسرقة مستقبل الأجيال الناشئة، وصفقات وعمولات وسمسرة واختلاس، وتضخم ثروات وتورم حسابات في سويسرا والشرق الأقصى وأمريكا، وإهمال لمصالح البلاد والعباد، وتزوير انتخابات وإفساد سياسي وفشل اقتصادي وانهيار اجتماعي، وتسليم لقياد الأمور إلى الأعداء، وهبر للأراضي والمصانع ورؤوس الأموال، وتحكم غير قانوني في البورصة، واستيلاء على ثروات البلاد ورؤوس أموالها، وانتشار للجهل والفقر والمرض، ووو... هل يمكن اعتبار أفعالهم هذه إلا فسادا في الأرض وإفساداً لحياة الناس فيها ؟ نزيف في الضمير: سربت إحدى المسجونات من أُسَر الإخوان المسلمين في سجون حافظ الأسد في سوريا عام 1982 خطابا تستغيث فيه بضمائر أبناء بلدها، كلماته نزيف في ضمير الأمة كلها، وتضع باستغاثتها رقابنا تحت نعالنا إن كان لدينا بقية من حياء أو فتات من خشية الله، تقول كلمات الخطاب: نستغيث بكم ونتوسل إليكم إهدموا جدران السجن فوق رؤوسنا، فالعار لحقنا وأبناء الحرام يتحركون في أحشائنا، جنود النظام وزبانيته يتناوبون اغتصابنا عدة مرات يوميا دون رادع أو ضمير، لا حل لنا إلا الموت .. من فضلكم أقتلونا وأريحونا... أي أخلاق وأي ضمير وأي قلب لجندي في جيش باسل يؤمر أن يغتصب الحرائر من بنات بلده، فينفذ الأمر ؟ أليس هذا هو الإفساد في الأرض بعينه ؟ ألا تعتبر هذه الأفعال حربا أعلنها الحكام على الله ورسوله ؟ أليس تقتيل المدنيين واعتقالهم وتعذيبهم هو تحدٍّ لله ولقوانينه، ولرسوله ولرسالته ؟ الموظفون على عروش الأرض: أين المتشدقون بحقوق الإنسان في المنظمات الدولية ؟ لماذا سكت العالم عن الطواغيت حتى ورّثوا الشعوب لأبنائهم الذين حذوا حذوهم ؟ هذا حبيب الروس وذاك حليف الأمريكان، وثالث عاشق لأوروبا أو الصين، والكل لاعقون لأحذية إسرائيل وخدودهم مداسات لبُلَغ اليهود، ويستمدون قوتهم من رضا الكنيست عليهم وعلى أدائهم المتميز، ومجهوداتهم الشاقة في قمع شعوبهم وإخراسها ليؤمَن جانبهم، ويتم إلهاؤهم عن الدمل المزروع في خاصرتهم، ليمنعهم من التقدم والتفكير في المستقبل.. إنه عالم السياسة المترع بالمصالح والأهواء، ولا يهمه صرخة معذّب أو مسجون أو مقهور أو جائع أو مقتول، ما دام الحكام المعيَّنون الموظفون في مناصبهم يؤدون ما عليهم من فروض الطاعة والولاء. خزي وعذاب: أما القرآن الكريم؛ فقد حلّ لنا مشكلة إفساد حياة الناس والفساد في الإرض ومحاربة الله ورسوله في آية واحدة، يقول سبحانه وتعالى: ( إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة 33) .. ولأن الحكام المفسدون هم من يسنون القوانين في فترات حكمهم ليضمنوا بها ألا يُدانوا، لا هُم أو أبناؤهم أو حاشياتهم في الدنيا؛ فقد لا يصيبهم خزي الدنيا بتوقيع العقوبة عليهم لأن أجهزة القضاء في دولهم تتبع نظام القضاء الذي وضعوه هم، ولكن لأن الله تعالى لا يظلم أحدا؛ فقد ضمن سبحانه لهؤلاء المفسدين العقاب الأخروي الأبدي؛ عذاب عظيم. أخيراً.. دعونا منهم وخلونا بقى نفكر في بكرة، واسلمي يا مصر