أن تُجمع بلاد العالم بأسره علي أن هناك أسبابًا معروفة لتحقيق أي نجاح، ثم يأتي المصريون وينسفوا هذه الأسباب ويلخصوا فكرة النجاح نفسها في عدة أمور غريبة وغير منطقية، فهذا أمر إذا لم يبك فهو يدعو للسخرية، لأنك في مصر تجد دوما الأمور مختلفة وغالبا غير منطقية، وإذا دققت النظر قليلا سوف تجدها غير حقيقية أيضا.. الغريب أن المطربين يجرون وراء هذه الأفكار الغريبة ويصيغونها في أغنيات تكرس مبدأ النجاح كما يفهمونه هم، فقد اتفق معظم شعراء الأغاني الذين قدموا أغنيات «وطنية» للمطربين مؤخرا علي أن سبب قدرة لاعبي منتخبنا القومي علي تحقيق بطولاتهم والوصول للتصفيات النهائية في كاس الأمم الأفريقية هو «سر الدعاء والسجدة»، أو لأننا - كما يردد جميع المطربين - «ناس طيبين»، فهذه الأسباب لم يخجل فنانونا من إعلانها في كل مناسبة رياضية وليذهب التفكير والتخطيط والتدريب ومجهود حسن شحاتة والجهاز الفني إلي الجحيم، لأن سر خلطة النجاح لدي المصريين هي الطيبة والرجولة وخلاص، وماتفهمش اشمعني الطيبة والرجولة مابتنفعش غير في الكورة بس، فنجد إيهاب توفيق في أغنيته الأخيرة «هما دول المصريين» يقول بالفم المليان: «شعب مصر ده شعب أصيل أصله شارب من ماء النيل»، وكأن السبب وسر خلطة النجاح لدي إيهاب توفيق مختلفة تماما، فمن يشرب من ماء النيل سيتمتع بالأصالة، ومن سيستمتع بالأصالة سيتطيع أن يحقق النجاح المرجو، ولكن الغريب في الأمر أن ماء النيل ليس حكرا علي المصريين وحدهم بل تشرب منه شعوب أربع عشرة دولة أخري غير مصر ولكن هذه الشعوب من المؤكد أنهم يدركون تماما أن المياه وحدها لا تصنع عقلاً يفكر ويخطط ويحقق لصاحبه النجاح كما يدعي الفنان إيهاب توفيق، أما محمد فؤاد فهو الآخر لديه سبب مشابه لسر نجاح المنتخب المصري وتفوقه علي أي فريق آخر وهو أننا «بلد الناس الطيبيبن وبلد الأزهر والحسين» تقريبا نسي ما حدث في الجزائر رغم أن الأزهر والحسين والناس الطيبين كانوا موجودين برضه. أما المطرب كريم نور هو الآخر، فأكد في أغنيته «حلمنا» بلغة يُطمئن بها آلاف المسلمين في كل مكان أن «اللي يسجد يوم لربه بخاطره ميكسرش»، فهل أيضا المصريون هم فقط من يقيمون الصلاة لذلك يكافئهم ربنا بالنجاح، فكريم نور جاء ليجامل الفريق القومي فنسف كل جهودهم دون وعي ودون إدراك، ورامي صبري أيضا اختصر أمر الوطنية تماما وقال «بلدي سلام وأمان مذكورة في القرآن»، ولؤي طبعا يقف في المقدمة بأغنيته التي كادت أن تتحول للنشيد القومي الكروي في مصر «بلدنا» التي يؤكد فيها أن سر أي نجاح للمصريين يكون «بسر الدعا والسجدة ونية الانتصار»، ونسي جميع الإخفاقات في باقي المجالات السياسية والاقتصادية، وتعامل مع المصريين علي أنهم شعب ناجح علي طول الخط. المزايدة لم تقتصر علي المطربين المصريين فقط، لأن العراقي ماجد المهندس تفوق علي الجميع حينما غني لمصر وقال: «المصريين الطيبيين قوي.. المخلصين قوي.. المغرمين بمصر» وبس كده، مالاقاش في المصريين حاجة تانية تتقال!